في هذا المقام ما هذا لفظه :
« والتّحقيق : أنّ القائلين بالجواز إن أرادوا به الجواز ـ بمعنى عدم حكم العقل فيه بالامتناع والقبح الواقعيّين كما يظهر من احتجاجهم عليه بالضّرورة ـ فالحقّ هو الجواز ، والمستند ما ذكروه. وإن أرادوا به الجواز الواقعي ـ بمعنى أنّ العقل يحكم بأنّه لا قبح في العمل به واقعا وأنّه لا يمتنع عنه تعالى بمقتضى الحكمة إن تكلّفنا به كما يظهر من بعض المعاصرين (١) ـ فالحق بطلان القول بالجواز كالقول بالامتناع ؛ إذ ليس العمل بالخبر الواحد ممّا يدرك العقل جهاته الواقعيّة حتّى يحكم فيه بجواز أو امتناع.
وإن أرادوا الجواز الظّاهري ـ بمعنى عدم القبح ما لم ينكشف الخلاف ـ فإن اعتبر مطلقا فالحق خلافه ؛ لأنّ العقل لا يستقلّ بجواز الاعتماد بخبر الواحد في معرفة الأحكام ولو مع التّمكن من العلم ، ولو خصّ بصورة الانسداد فلا ريب في ثبوت الجواز. لكن يبعد جدّا التزام المانع بالمنع فيها ». ثمّ اختار كون محلّ النّزاع بينهم هو الوجه الأوّل وحرر البحث فيه » (٢).
ولكنّك خبير بأنّ ظاهرهم خلاف ما استفاده ، ولذا أورد عليهم الأستاذ العلاّمة : بأنّ الأولى قلب الدّليل ؛ فإنّه غير نقيّ عن الإيراد ، مع أنّ ظاهر الوجه الأوّل ليس القول بالإمكان أصلا ، بل هو منع لحكم العقل بالإمكان والامتناع معا (٣) ، وهو كما ترى لا يجامع كلام القائلين بالإمكان كما هو واضح هذا. اللهمّ إلاّ
__________________
(١) القوانين : ج ١ / ٤٣٢.
(٢) الفصول : ٢٧١.
(٣) فرائد الاصول : ج ١ / ١٠٦.