أحدها : منع الدّوران ، لا من جهة القول بأنّ المسألة عقليّة ولا يعقل الدّوران في حكم العقل ، بل إمّا يستقلّ بوجوب تحصيل خصوص العلم تحصيلا للبراءة اليقينيّة أو يستقلّ بالتخيير بينه وبين العمل بالظّن ؛ بناء على ما ربّما يتوهّم : من أنّ الحكم بوجوب تحصيل البراءة اليقينيّة مبنيّ على القول باستقلال العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل وهو في محلّ المنع ، بل من جهة استقلاله بحرمة العمل بالظّن من باب التّشريع على ما عرفت تفصيل القول فيه غير مرّة.
ولعلّه لم يذكره الأستاذ العلاّمة من جهة ذكره في الجواب من الوجوه السّابقة عليه ، فاستغنى عن ذكره في الجواب عن هذا الوجه بذكره ثمّة من جهة معلوميّة الأمر فتدبّر.
ثانيها : منع الدّوران بملاحظة الأدلّة النقليّة الدّالة على وجوب تحصيل العلم بالحكم الشّرعي مهما أمكن من الكتاب والسّنة والإجماع ، ودلالة كلّ منها على ذلك ليست محلاّ للإنكار ؛ لأنّها بلغت من الوضوح والظّهور ظهور الشّمس في وسط السّماء هذا. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الكلام في قضيّة الأصل الأوّلي مع قطع النّظر عن الدّليل الوارد فتأمّل.
ثالثها : أنّه على فرض تسليم الدّوران لا معنى لابتناء حكم المسألة على القولين في مسألة دوران الأمر في المكلّف به بين التّعيين والتّخيير ؛ لأنّ الحقّ في مسألتنا هذه هو الحكم بالتّعيين وإن قلنا في تلك المسألة بالتّخيير ؛ لأنّ مرجع الشّك في المسألة إلى الشّك في طريق الإطاعة ، والعقل مستقلّ بوجوب الأخذ بالقدر المتيقّن في باب الإطاعة.
وهذا الوجه وجه مستقلّ لا دخل له بأحد الوجوه المتقدّمة في كلامنا وكلام