أقول : لا ريب في أنّ إعتبار العلم لنفسه أو للجعل ـ كما سبق إلى بعض الاوهام ـ إنّما يتعقّل فيما يترتّب على متعلّقه حكم ، وإلاّ فلا معنى للتكلّم في اعتباره وان كان كشفه عن متعلّقه وطريقيّته اليه ذاتيا ، فعلى هذا لو لم يترتّب الحكم الشرعي على نفس متعلّقه ، بل عليه بشرط تعلّق العلم به : بان يكون له مدخل في موضوع الحكم واقعا ؛ فانّه أمر معقول ادّعي وقوعه كما انّه المراد من قوله قدسسره ، وإن كان ما ذكرنا من التعبير أوضح في تفهيم المراد ، فالجواز في كلامه مقابل الامتناع ، فالمراد به الامكان بالمعنى الاعم فلا ينافي لزوم أخذه في الموضوع على هذا التقدير ، ولذا لم يعقل التكلّم في إعتباره حينئذ فيصير حاله حال سائر ماله دخل في موضوع الحكم من أوصاف المكلّف وغيرها من حيث التمحّض في الموضوعيّة ، وان صحّ حمل الحجّة عليه بالمعنى المتقدّم ؛ لكونه وسطا حينئذ لا محالة كغيره ممّا له دخل في موضوع الحكم إلاّ أنّه لا يعقل البحث في اعتباره على ما عرفت ، كما أنّه لا معنى لحمل الحجّة عليه بالمعنى المعهود المراد منها كلّما يطلق في باب الأدلّة عند الاصوليين ؛ فانّه ليس الوسط بقول
__________________
مطلقا طريقيا كان أو موضوعيّا ، أمّا الأوّل فلعدم جواز وقوعه وسطا في الشكل الأوّل مطلقا.
وأمّا الثاني : فلأنّه لا يمكن كونه وسطا لإثبات متعلّقه حتى يمكن إطلاق الحجة عليه في باب الأقيسة.
وبالجملة : القطع الطريقي لا يمكن إطلاق الحجة عليه إلاّ بالمعنى الأوّل اللغوي والقطع الموضوعي لا يكون حجة إلاّ في الإصطلاح المنطقي والبيّنة وأمثالها حجة في باب الأدلّة فقط ، والظواهر يطلق عليها الحجّة بكلا الإصطلاحين بإعتبارين. إنتهى. أجود التقريرات : ج ٣ / ١٤ ـ ١٦.