الكاشف عن حكم الشارع ، فالحكم باستحقاق العقاب على مخالفته لا بدّ من ان يبتنى على حرمة التجري من حيث هو هو ؛ لأنّ المفروض أنّ مخالف القطع في المقام لم يخالف حكما شرعيّا وخطابا ثابتا في الشرع.
وقد سلك هذا المسلك الاستاذ العلاّمة في « الكتاب » فيما سيجيء في باب تاسيس الأصل في الظّن ، وليست مزيّة الظّن المعتبر على العلم من الغريب في شيء. كيف؟ وقد حكموا بأنّ سلوك الطريق الشرعي يوجب الاجزاء بخلاف العمل بمقتضى القطع ، ونحن وإن لم نقل بالإجزاء في المقامين بالنظر إلى مقتضى القاعدة إلاّ أنّا نجوّز قيام الدليل عليه في الأوّل دون الثاني وهذه أيضا مزيّة للظن على العلم.
لا يقال : لا معنى لحكم الشارع باعتبار الظّن إلاّ ايجابه تنزيل الظّن منزلة العلم ، فإذا لم يترتّب استحقاق العقوبة على مخالفة العلم فلا بدّ من أن لا يترتّب على مخالفة الظن أيضا وإلاّ فيلزم الحكم به في المقامين ، أو كون المنزّل والفرع أقوى من المنزّل عليه والأصل ، والثانى باطل بالضرورة والأوّل ممّا لا تقول به.
لأنا نقول ـ مضافا إلى ما عرفت سابقا من فساد القول بالتنزيل المذكور ، إذ ليس في أدلّة اعتبار الأمارات ما يدل عليه أو يشير اليه ـ : أنّ هذه المزيّة إنّما جائت من نفس وجوب التنزيل وحكم الشارع به ، وبعبارة أخرى : من حجيّة الظّن.
وهذا المعنى لمّا كان مفقودا بالنّسبة إلى العلم لم يحكم باستحقاق العقاب على مخالفته فليس هذا من آثار المظنون ولا من آثار الظّن حتى يلزم من الالتزام به دون العلم مزيّة الفرع على الاصل ، بل من آثار صيرورة الظّن حجّة شرعية