قال مُعاوية لجارية بن قُدَامة : ما كان أهْونَك على أهْلِك إذ سَمِّوْك جارية! قال : ما كان أهونَك على أهلك إذ سَمِّوْك مُعاوية! وهي الأنثى من الكلاب ، قال : لا أمَّ لك! قال : أمِّي وَلَدتْنِي للسيوف التي لَقِيناكَ بها في أيْدِينا ؛ قال : إنك لتُهَدِّدني ؛ قال : إنك لم تَفْتَتِحْنا قَسْراً ، ولم تَمْلِكنا عَنْوةً ، ولكنَّك أعْطَيتنا عَهْداً وَمِيثاقاً ، وأعطيناك سَمْعاً وطاعةً ، فإن وَفَّيت لنا وَفَّينا لك ، وإن فَزِعْت إلى غير ذلك ، فإنّا تَركنا وراءَنا رجالاً شِدَاداً ، وأَلْسِنَةً حِدَاداً قال له مُعاوية : لا كَثّر الله في النَاس أمثالَك ؛ قال جارية : قُلْ مَعْرُوفاً ورَاعِنا ، فإن شَرَّ الدّعاء المُحْتَطب. (١)
روى ابن عبد ربه وابن كثير قالا : قدم معاوية المدينة أول حجة حجها (سنة ٤٤ هجرية) بعد عام الصلح ، فتوجه إلى دار عثمان ، فلمادنا إلى باب الدار. صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها. فقال لها : يا بنت أخي ان الناس قد اعطونا سلطاننا ، فاظهرنا لهم حلما تحته غضب ، واظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا ، فان اعطيناهم غير ما اشتروا منا شحوا منا شحوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم ، ومع كل إنسان منهم سيفه وهو يرى مكان شيعته (وفي الرواية وهو يرى انصاره) ، فان نكثناهم نكثوا بنا ثم لا ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا؟ وان تكوني ابنة عم أمير المؤمنين خير من ان تكوني امرأة من عُرُوض الناس. (وفي رواية ابن كثير : وان تكوني ابنة عثمان أمير المؤمنين احب إلي ان تكوني أمة من إماء المسلمين ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك. (٢)
أقول : والشاهد في الرواية هو صيحة ابنة عثمان بوجه معاوية وتذكيرها له بابيها تريد منه ان ينفذ الشعار الذي كان يرفعه وهو الأخذ بثار عثمان واستطاع معاوية ان يقنع عائشة بجوابه انها ابنة عم رئيس الدولة وهذا لا يتم الا إذا عطى الأمان للناس بما فيهم قتلة عثمان بزعم الاعلام الأموي.
أقول : وفي هذه السنة كان مع معاوية في حجه معاوية بن حديج وكان من أسب
__________________
(١) ابن عبد ربه الاندلسي ، العقد الفريد ، ج ٣ ص ٢١٤.
(٢) ابن عبد ربه الاندلسي ، العقد الفريد ، ج ٤ ص ١٥٨ ، ابن كثير ، البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٠. والبلاذري ، انساب الاشراف ج ٢ ص ١٢.