ثم يرجعهم إلى بلادهم مع عطاء وفير ليقترب من قلوبهم ، وكان يتحمل منهم خشونة كلامهم أحيانا.
لقد كان معاوية في هذه السنوات العشر يبدي حلما خاصا تشبُّها بسياسة علي عليهالسلام وأخلاقه في تحمله جهل الجاهلين الذين استغلوا سماحة علي عليهالسلام.
قال معاوية لصعصعة بن صوحان وزملائه بعد محاورة جرت بينه وبينهم : لو لا اني أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول :
قابلتُ جهلَهمُ حلماً ومغفرةً |
|
والعفو عن قدرةِ ضرب من الكرم |
لقتلتكم. (١)
وعن جعدة بن هبيرة المخزومي ، قال : استأذنت أم البراء بنت صفوان بن هلال على معاوية ، فأذن لها ، فدخلت في ثلاثة دروع تسحبها قد كارت على رأسها كورا كهيئة المنسف ، فسلمت ثم جلست ، فقال : كيف أنت يا بنت صفوان؟ قالت : بخير يا أمير المؤمنين ، قال : فكيف حالك؟ قالت : ضعفت بعد جلد وكسلت بعد نشاط.
قال : سيان بينك اليوم وحين تقولين :
يا عمرو دونك صارما ذا رونق |
|
عضب المهزة ليس بالخوار |
أسرج وادك مسرعا ومشمرا |
|
للحرب غير معرد لفرار |
أجب الإمام ودب تحت لوائه |
|
وافر العدو بصارم بتار |
يا ليتني أصبحت ليس بعورة |
|
فأذب عنه عساكر الفجار |
قالت : قد كان ذاك يا أمير المؤمنين ومثلك عفا ، والله تعالى يقول : «عفا الله عما سلف» قال : هيهات! أما إنه لو عاد لعدت ، لكنه اخترم دونك ، ثم ذكر له قولها في رثاء علي عليهالسلام اذكري حاجتك. قالت : هيهات بعد هذا! والله لا سألتك شيئا. ثم قامت فعثرت ، فقالت : تعس شانئ علي ، فقال : يا بنت صفوان زعمت إلا ، قالت : هو ما علمت.
فلما كان من الغد بعث إليها بكسوة فاخرة ودراهم كثيرة وقال : إذا أنا ضيعت الحلم فمن يحفظه؟ (٢)
__________________
(١) المسعودي ، مروج الذهب ، ج ٣ ص ٤١.
(٢) ابن طيفور ، بلاغات النساء ، بصيرتي قم ، ص ٧٦.