(وكان معاوية يقول : إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. فقيل له : كيف؟ قال : إذا مدوها خليتها ، وإذا خلوها مددتها.
وأغلظ له رجل فحلم عنه ، فقيل له : أتحلم عن هذا؟ قال : إنا لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا. وعن احمد عن علي عن عبد الله وهشام بن سعد عن عبد الملك بن عمير قال : اني لا احول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا). (١)
وروى البلاذري قال حدثني أبو مسعود عن عليّ بن صالح عن عيسى بن يزيد المدني قال ، قالت فاختة بنت قرظة امرأة معاوية : يا أمير المؤمنين ، لم تصانع الناس وترى أنّهم منصفون منك ، فلو أخذتهم من عل كانوا الأذلَّين وكنت لهم قاهرا ، فقال : ويحك إنّ في العرب بقيّة بعد ، ولو لا ذلك لجعلت عاليها سافلها ، فقالت : والله ما بقي أحد إلَّا وأنت عليه قادر ، قال : فهل لك في أن أريك بعض ذلك منهم؟ قالت : نعم ، فأدخلها بيتا وأسبل عليها ستره ، ثمّ أمر حاجبه أن يدخل عليه رجلا من أشراف من بالباب ، فأدخل عليه رجلا من قيس يقال له الحارث ، فقال له معاوية : يا حويرث ، إيه أنت الذي طعنت في الخلافة وتنقّصت أهلها؟ والله لقد هممت أن أجعلك نكالا ، فقال : يا معاوية إنّما دعوتني لهذا؟ والله إنّ ساعدي لشديد ، وإنّ رمحي لمديد ، وإنّ سيفي لحديد ، وإنّ جوابي لعتيد ، ولئن لم تأخذ ما أعطيت بشكر لتنزعنّ عمّا نكره بصغر ، فقال : أخرجوه عنّي ، فأخرج ، فقالت فاختة : ما أجرأ هذا وأقوى قلبه!! فقال معاوية : ما ذاك إلَّا لإدلاله بطاعة قومه له ، ثمّ أمر الحاجب فأدخل عليه رجلا من ربيعة يقال له جارية ، فقال له معاوية : إيه يا جويرية ، أنت الذي بلغني عنك تخبيب للجند وقلَّة من الشكر؟ فقال : وعلام نشكر؟ ما تعطي إلَّا مداراة ولا تحلم
__________________
(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ٥١ ص ١٠٢ ، والمسعودي ، مروج الذهب ، ج ٣ ص ٤١ ، البلاذري ، انساب الاشراف ، ج ٥ ص ٢٠ ، ٨٥ ، ابن قتيبة الدينوري ، عيون الاخبار ، دار الكتب العلمية ٢٠٠٣ م ، ١ / ٦٢٦٣ ، ٣٩٧ ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٤٩ ، الفاضل للمبرد / ٨٧ ، نهاية الارب ٦ / ١٦.