عليه ولا يئوب إلى مال ولا ولد ، فأتته عصابة من الناس فقال : أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما والله ما طلبتهم بدمه ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرءوها ، وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم ، وليس للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم أن قالوا : إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا ، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، ولو لا هي ما تبعهم من الناس رجلان.
اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم.
ثم مضى ومضت تلك العصابة التي أجابته حتى دنا من عمرو فقال : يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا طالما بغيت في الإسلام عوجا.
وقال لعبيد الله ابن عمر بن الخطاب : صرعك الله بعت دينك بالدنيا من عدو الإسلام وابن عدوه. (١)
وروى أيضا عن أبي مخنف : حدثني مالك بن أعين عن زيد بن وهب أن عليا أتى أهل النهر فوقف عليهم فقال : أيتها العصابة التي أخرجتها عداوة المراء واللجاجة وصدها عن الحق الهوى ، وطمح بها النزق وأصبحت في اللبس والخطب العظيم إني نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الأمة غدا صرعى بأثناء هذا النهر ، وبأهضام هذا الغائط بغير بينة من ربكم ولا برهان بين. ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم دهن ومكيدة لكم ونبأتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وإني أعرف بهم منكر عرفتهم أطفالا ورجالا ، فهم أهل المكر والغدر وإنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم فعصيتموني حتى أقررت بأن حكمت فلما فعلت شرطت واستوثقت فأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن ، فاختلفنا وخالفا حكم الكتاب والسنة ، فنبذنا أمرهما ونحن على أمرنا الأول ، فما الذي بكم ومن أين أتيتم؟
__________________
(١) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٦٦.