كان أشد عليه من محمد ابن أبي بكر فبعث معاوية إلى الجايستار رجل من أهل الخراج فقال له ان الأشتر قد ولى مصر فان أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت فاحتل له بما قدرت عليه فخرج الجايستار حتى أتى القلزم وأقام به وخرج الأشتر من العراق إلى مصر فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار فقال هذا منزل وهذا طعام وعلف وأنا رجل من أهل الخراج فنزل به الأشتر فأتاه الدهقان بعلف وطعام حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سما فسقاه إياه فلما شربها مات وأقبل معاوية يقول لأهل الشام ان عليا وجه الأشتر وأقبل الذي سقاه إلى معاوية فأخبره بمهلك الأشتر فقام معاوية في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فإنه كانت لعلي ابن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين يعني عمار بن ياسر وقطعت الأخرى اليوم يعني الأشتر. (١)
وفي رواية البلاذري قال : وأتت معاوية عيونُه بشخوص الأشتر واليا على مصر ، فبعث إلى رأس أهل الخراج بالقلزم فقال له : إن الأشتر قادم عليك ، فإن أنت لطفت لكفايتي إياه لم آخذ منك خراجا ما بقيت. فأتاه بشربة منه قد جعل فيها سمّا ، فلما شربها قتلته من يومه أو من غده. وبلغت معاوية وفاته فقال : كانت لعلي يدان ـ يعني قيس بن سعد (بن عبادة) والأشتر ـ فقد قطعت إحداهما وجعل يقول : إن لله لجندا من عسل. (٢)
__________________
(١) الطبري ، تاريخ الكبري ج ٤ ص ٧٢. وفي البداية والنهاية ٧ / ٣٤٧ قال ابن كثير : وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن معاوية كان قد تقدم إلى هذا الرجل (أي الجايستار) في أن يحتال على الأشتر ليقتله ووعده على ذلك بأمور ففعل ذلك ، وفي هذا نظر ، وبتقدير صحته فمعاوية يستجيز قتل الأشتر لأنه من قتلة عثمان رضياللهعنه.
(٢) البلاذري ، انساب الاشراف ج ٢ ص ٣٩٩. وفي ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق : ج ٥٦ ص ٣٧٦ ، أن معاوية قال لأهل الشام : «يا أهل الشام إنكم منصورون ومستجاب لكم الدعاء فادعوا الله على عدوكم! فرفع أهل الشام أيديهم يدعون عليه ، فلما كانت الجمعة الأخرى خطب فقال : يا أهل الشام إن الله قد استجاب لكم وقتل عدوكم! وإن لله جنوداً في العسل ، فرفع أهل الشام أيديهم حامدين الله على كفايتهم إياه». ونحوه اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ص ٢ ج ١٧٩ ، وابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ٦ ص ٧٦.