وفي قصة مخاصمة بني كلاب وبني رباب من بني نضر مع عبد المطَّلب في مال قريب من الطائف فقال عبد المطَّلب : المال مالي فسلوني أعطكم ، قالوا : لا ، قال : فاختاروا حاكما قالوا : ربيعة بن حذار الأسديّ فتراضوا به وعقلوا مائة ناقة في الوادي وقالوا : الإبل والمال لمن حكم له ، وخرجوا وخرج مع عبد المطَّلب حرب بن أميّة فلما نزلوا بربيعة وقالوا له احكم لأشدّنا طعانا ، وأوسعنا مكانا ، قال عبد المطلب : احكم لأولانا بالخيرات ، وأبعدنا عن السوآت وأكرمنا أمهات ، فقال ربيعة : والغسق والشفق ، والخلق المتّفق ، ما لبني كلاب وبني رباب من حقّ ، فانصرف يا عبد المطَّلب على الصواب ، ولك فصل الخطاب ؛ فوهب عبد المطَّلب المال لحرب بن أميّة. (١)
__________________
والمساوي ج ١ ص ٦٧ قالا : قدم عبد الله بن عباس على معاوية وعنده جمع من بني أمية ووفود العرب ، فدخل وسلّم وقعد فسأله معاوية مَن الناس؟ فقال ابن عباس : نحن ، قال معاوية : فإذا غبتم؟ قال : فلا أحد ، فقال معاوية : فإنك ترى أني قعدت هذا المقعد بكم؟ فقال ابن عباس : نعم ، فبمن قعدت؟ فقال معاوية : بمن كان مثل حرب بن أمية. فقال ابن عباس : بل بمن أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه ، فغضب معاوية. وقال : أرحني من شخصك شهراً فقد أمرت لك بصلتك وأضعفتها لك. فخرج ابن عباس وهو يقول لمن معه : ألا تسألونني ما الّذي أغضب معاوية؟ فقالوا : بلى فقل بفضلك. فقال : إن أباه حرب لم يلق أحداً من رؤساء قريش في عقبة ولا مضيق إلّا تقدّمه حتى يجوزه ، فلقيه يوماً رجل من بني تميم في عقبة فتقدمه التميمي ، فقال حرب : أنا حرب بن أمية ، فلم يلتفت إليه وجازه ، فقال : موعدك مكة ، فخافه التميمي ، ثم أراد دخول مكة فقال : من يجيرني من حرب بن أمية ، فقيل له عبد المطلب ، فقال : عبد المطلب أجل قدراً من أن يجير على حرب ، فأتى ليلاً إلى دار الزبير بن عبد المطلب ، فدقّ بابه ، فقال الزبير لعبده : قد جاءنا رجل إمّا طالب قِرى وإمّا مستجير ، وقد أجبناه إلى ما يريد ، ثمّ خرج الزبير إليه فقال التميمي :
لاقيت حرباً في الثنية مقبلاً |
|
والصبح أبلج ضوؤه للساري |
فدعا بصوت واكتنى ليروعني |
|
وسما عليَّ سمّو ليث ضاري |
فتركته كالكلب ينبح ظِله |
|
وأتيت قرم معالم وفخار |
ليشاً هزبراً يستجار بعزّه |
|
رحبَ المباءة مكرماً للجار |
ولقد حلفت بمكة وبزمزم |
|
والبيت ذي الأحجار والأستار |
إنّ الزبير لمانعي من خوفه |
|
ما كبّر الحُجّاج في الأمصار |
فقدّمه الزبير وأجاره ودخل به المسجد ، فرآه حرب فقام إليه فلطمه ، فحمل عليه الزبير بالسيف ، فولى هارباً يعدو حتى دخل دار عبد المطلب ، فقال : أجرني من الزبير ، فأكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس ، فبقي تحتها ساعة ، ثمّ قال له : أخرج ، قال : وكيف أخرج وعلى الباب تسعة من بنيك قد احتبوا بسيوفهم ، فألقى عليه رداء كان كساه إياه سيف بن ذي يزن له طرتان خضروان ، فخرج عليهم ، فعلموا أنّه قد أجاره عبد المطلب فتفرقوا عنه.
(١) النوبري ، نهاية الأرب في فنون الأدب ج ٣ ص ١٣٣ ـ ١٣٤.