قال ابن اعثم : ثم رحل معاوية (من مكة بعد ان اخذ البيعة ليزيد) ، فلما صار بالأبواء ونزلها قام في جوف الليل لقضاء حاجته فاطلع في بئر الأبواء ، فلما اطلع فيها اقشعر جلده وأصابته اللقوة في وجهه فأصبح لما به ، فدخل عليه الناس يعزونه ويتوجعون له مما قد نزل به ، فقال : أيها الناس! إن المؤمن ليصاب بالبلاء فإما معاقب بذنب وإما مبتلى ليؤجر ، وإن ابتليت فقد ابتلى الصالحون من قبلي ، وأنا أرجو أن أكون منهم ، وإن مرض مني عضو فذلك بأيام صحتي وما عوفيت أكثر ، ولئن أعطيت حكمي فما كان لي على ربي أكثر مما أعطاني لأني اليوم ابن بضع وسبعين ، فرحم الله عبدا نظر إلي فدعا لي بالعافية ، فإني وإن كنت غنيا عن خاصتكم لقد كنت فقيرا إلى عامتكم. قال : فدعا الناس له بخير وخرجوا من عنده. وجعل معاوية يبكي لما قد نزل به ، فقال له مروان بن الحكم : أجزعا يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا يا مروان! ولكني ذكرت ما كنت عنه عزوفا ثم إني بليت في أحسني وما ظهر للناس مني ، فأخاف أن يكون عقوبة عجلت لي لما كان مني من دفعي بحق علي بن أبي طالب ، وما فعلت بحجر بن عدي وأصحابه ، ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي. (١)
وقال ابن عساكر : حج معاوية بن أبي سفيان عاما حتى إذا كان بالأبواء اطلع في بئر لها عادية فضربته اللَّقوة ، فمضى حتى أتى مكة فدخل داره وأرخى حجابه ودعا حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلىاللهعليهوسلم ثم قال أيها الناس إن ابن آدم بعرض بلاء إما مبتلى ليؤجر وإما معاقب بذنب وإما مستعتب ليعتب وما أعتذر من واحدة من ثلاث ... قال فعج الناس يدعون له فبكى معاوية.
فلما خرجوا من عنده قال له مروان بن الحكم يا أمير المؤمنين لم بكيت قال يا مروان كبر سني ورق عظمي وابتليت في أحسن ما يبدو مني وخشيت أن تكون عقوبة من ربي ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي. (٢)
وقال البلاذري حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال :
__________________
(١) الكوفي ، ابن اعثم ، الفتوح ، ج ٤ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٩.
(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٢١٤ ـ ٢١٥ ، الذهبي ، سير الاعلام ج ٣ ص ١٥٥.