وما عن قلى فارقت دار معاشري |
|
هم المانعون حوزتي وذماري |
قال الشيخ رحمهالله : وأي نفس ملائكية هذه التي لقيت من نشوز هذه الحاضرة ومن بوائقها ما لقيت ، ثم هي تودعها بهذا البيت من الشعر ، فلا تذكر من تاريخها الطويل العريض ، الا وفاء الأوفياء «المانعين الحوزة والذمار» وهم الذين منعوا عنه من أراده في المدائن ، والذين ثبتوا على طاعته يوم العسرة في مسكن ، فكانوا إخوان الصدق وخيرة الأنصار ، على قلتهم.
وصب الله على الكوفة بعد خروج آل محمد منها ، الطاعون الجارف ، فكان عقوبتها العاجلة على موقفها من هؤلاء البررة الميامين. وهرب منها واليها الأموي [المغيرة بن شعبة] خوف الطاعون ، ثم عاد إليها فطعن به فمات «انظر التعليقة رقم ١٠».
وكان الحسن ـ كما نعلم ـ أعرف الناس بمعاوية وبحظه من الصدق والوفاء ، وهو إذ يأخذ عليه الصيغ المغلظة في الإيمان والعهود ، لا يقصد من ذلك إلى التأكد من صدقه أو وفائه ، ولكن ليكشف للأغبياء قابليات الرجل في دينه وفي ذمامه وفي شرفه بالقول ، وانها للمبادأة الأولى التي ابتدأ الحسن عليهالسلام زحفه منها إلى ميدانه الثاني.
ومن هنا وضع أول حجر في البناء الجديد لقضية أهل البيت عليهمالسلام. ثم مشى موكب الزمان ، فإذا بالخطوات الموفقة تمشي وثيدا مع الزمان وإذا بطلائع النجاح كفيالق الجيش التي تتلاحق تباعا لتتعاون على الفتح. وان من الفتوح ما لا يعتمد في أداته على السلاح ، ومنها ما يكون وسائله الأولية أشبه بالهزيمة ، حتى ليخاله الناس تسليما محضا ، ولكنه في منطق العقلاء ، ظفر لامع وفتح مبين «انظر التعليقة رقم ١١».
وكان من أبرز الخطوات التي وفقت إليها خطة الحسن عليهالسلام عن طريق الصلح ، في سبيل التشهير بمعاوية حيا وميتا ، والنكاية ببني أمية اطلاقا :
١ ـ أنها ألبت على معاوية في بداية عهده الاستقلالي عددا ضخما من الشخصيات البارزة في المملكة الإسلامية. فلعنه صراحة بعضهم ، وخبثه آخر ، وقرعه وجاها ثالث بل ثلاثة ، وقاطعه رابع ، وانكر عليه حتى مات غما من فعاله كبير خامس ، وقال فيه أحدهم : «وكان والله غدارا». وقال الآخر : «اربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة».