فأين يتاه بكم! وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم! وهم أزمة الحق ، وأعلام الدين ، والسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش.
أيها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه! إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلى منا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، وأعذروا من لا حجة لكم عليه ـ وهو أنا. (١)
قال ابن ابي الحديد : تؤفكون : تقلبون وتصرفون. الاعلام : المعجزات هاهنا ، جمع علم ، وأصله الجبل أو الراية والمنارة ، تنصب في الفلاة ليهتدي بها.
وقوله صلىاللهعليهوآله : (فأين يتاه بكم!) أي أين يذهب بكم في التيه! وتعمهون : تتحيرون وتضلون.
وعترة رسول الله صلىاللهعليهوآله : أهله الأدنون ونسله ، وقد بين رسول الله صلىاللهعليهوآله عترته من هي ، لما قال صلىاللهعليهوآله : (إني تارك فيكم الثقلين) ، فقال صلىاللهعليهوآله : (عترتي أهل بيتي) ، وبين في مقام آخر من أهل بيته حيث طرح عليهم كساء. وقال صلىاللهعليهوآله حين نزلت : (إنما يريد الله ليذهب) : (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم). فإن قلت : فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين عليهالسلام بهذا الكلام؟ قلت : نفسه وولداه.
وقوله صلىاللهعليهوآله : (وهم أزمة الحق) : جمع زمام ، كأنه جعل الحق دائرا معهم حيثما داروا وذاهبا معهم حيثما ذهبوا ، كما أن الناقة طوع زمامها ، وقد نبه الرسول صلىاللهعليهوآله على صدق هذه القضية بقوله : (وأدر الحق معه (أي مع علي) حيث دار).
وقوله صلىاللهعليهوآله : (وألسنة الصدق) من الألفاظ الشريفة القرآنية ، قال الله تعالى : (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) لما كان يصدر عنهم حكم ولا قول إلا وهو موافق للحق ، والصواب جعلهم كأنهم ألسنة صدق لا يصدر عنها قول كاذب أصلا ، بل هي كالمطبوعة على الصدق.
وقوله صلىاللهعليهوآله : (فأنزلوهم منازل القرآن) أمر المكلفين بأن يجروا العترة في إجلالها
__________________
(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٦ ص ٤٢٨.