فقال معاوية : والله ما جامل ولقد أعلن ، قال : بلى والله لقد جامل ، ولو شاء أن يطلق عليك عقال حرب زبون لفعل ، (١)
فقال : أراك يا ابن الزبير تجول في ضلالتك. (٢)
أقول : وقول ابن الزبير (ولأهل العراق أبر (وفي رواية ارأف وفي اخرى ارأم) بهمن أم الحوار بحوارها).
يشهد له قول الحسن حين خرج من الكوفة الى المدينة إذ تمثل بقول الشاعر :
وما عن قِلى فارقتُ دارَ معاشري |
|
هم المانعون حوزتي وذماري |
__________________
لسان العرب أَتأَر إِليه النَّظَرَ : أَحَدَّه. وأَتأَره بصره : أَتْبَعَه إِياه ، وقد اراد معاوية باستشهاده بالبيت ان يُفهم ابن الزبيران الحسن عليهالسلام يجامله مجاملة قد اضطر اليها لحل ازمة الانشقاقفي امة جده ، والا فان قلب الحسن يغلي علي لانه لا ينسى قتلى شيعة ابيه في صفين واعلامه الكاذب فيه. وقد روى المجلسي في بحار الانوار ج ٤٤ ص ٥٧ ان الحسن عليهالسلام أنشأ.
أجامل أقواما حياء وقد أرى
قلوبهم تغلي علي مراضها
قال البهبودي في / خامش ٥٧ : أظن الصحيح هكذا :
أجامل أقواما حياء ، وقد أرى
قدورهم تغلى على مراضها
يقال : غلت القدر تغلى غليانا : جاشت وثارت بقوة الحرارة ، ومراض القدر أسفلها إذا غطى من الماء ، يقول : انهم يثورون ثورة ظاهرية كالقدر التي ثارتأعلاه ولم تغلِ
أسفلها ، فهم منافقون يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
أقول : لم اجد في لسان العرب ولا في تاج العروس ، ان مِراض القدر اسفلها ، ومهما يكن فان استشهاد الامام الحسن بالبيت ان صحت القصة فهو عليهالسلام يريد انه جامل معاوية وهش في وجهه بما تقتضيه مصلحة الرسالة والامة وهو يعلم ان قلب معاوية يغلي عليه عداوة لقتلاه في بدر. اما المعنى الذي ذهب اليه البهبودي فهو بعيد.
والبيت سواء استشهد به معاوية او الامام الحسن عليهالسلام فمعناه واحد ، مع ملاحظة ان معاوية حين استشهد به اراد بن ان الحسن عليهالسلام حين جامله فان قلبه يغلي عليه بما قتل من شيعة ابيه في صفين وبما عرضه من اعلامه الكاذب فيه ، وان الحسن حين استشهد به لو صحت الرواية اراد انه اجبر معاوية على مجاملته مع ان قلبه يغلي عليه حقدا لقتلاه في بدر ، ولم يأخذ بثأرهم لان ثأرهم في تصوره لا يكون الا حين يقتل من بني هاشم علياءهم الامر الذي حققه ولده يزيد بعده بوصية منه. ومن هنا فان حلم معاوية ليس حلما وايضا بل هو تكتيك بلغة العصر كما كشف ذلك لعائشة بنت عثمان حين قال لها : فأظهرنا لهم حلما تحته غضب).
(١) أي حرب صعبة [زبن] : الزَّبْنُ ، كالضَّرْبِ : الدَّفْعُ ، كما في الصِّحاح. وفي المُحْكَم : دَفْعُ الشيء عن الشيء ، كالناقَةِ تَزْبِنُ ولَدَها عن ضرْعِها برِجْلِها وتَزْبِنُ الحالِبَ. زَبَنَ الشيء يَزْبِنُه زَبْناً وزَبَنَ به : دَفَعَه (تاج العروس).
(٢) البلاذري ، انساب الاشراف ، ج ٥ ص ٣٨.