أنت يا أميرالمؤمنين قال : قد عفوت عن عبيدالله بن عمر (١).
إنّي لا اُريد أن أحوم حول هذه القصّة ، كيف وقد نقم به على الخليفة حيث عطّل القصاص إذ قتل عبيدالله رجلا يصلّي وصبية صغيرة ، ومع ذلك عفى عنه الخليفة لسبب عاطفي أو غيره ، فَلِمَ لا يجوز ذلك للامام علي عليهالسلام وقد رأى انّ في القَوَد مفسدةً عظمى على الاسلام والمسلمين؟ وانّ جبر دم الخليفة بالدية أصلح من القصاص والقود.
هذه هي المواضيع الهامّة التي كانت من المفترض دراستها والقضاء فيها ، ثم الخروج بنتيجة صحيحة عن الحكومة ، غير انّ الحَكَمين جعلاها وراء ظهورهما ، ولم ينبسا فيها ببنت شفة ، بل كان هوى أبي موسى الأشعري مع عبدالله بن عمر ، وكان هوى عمرو بن العاص مع معاوية ، فلنتعرف على عبدالله بن عمر ، ثم عمروبن العاص :
أمّا عبدالله بن عمر فكفى في ضعف نفسه انّه لمّا ولّي الحجاج الحجاز من قبل عبدالملك بن مروان جاءه ليلا ليبايعه ، فقال له الحجّاج ما أعجلك؟ فقال : سمعت رسول الله يقول : من مات بغير امام مات ميتة جاهلية (٢) فقال له : إنّ يدي مشغولة عنك ، وكان يكتب ، فدونك رجلي ، فمسح على رجله وخرج ، فقال الحجاج : يا أحمق. تترك بيعة علي بن أبي طالب وتأتيني مبايعاً في ليلة؟ وما هذا إلاّ انّ الخوف من السيف جاءك إلى هنا(٣).
وأمّا عمرو ، وما أدراك ما عمرو؟ ذلك الانسان الذي عرّفه الامام بقوله :
__________________
١ ـ البيهقي : السنن الكبرى ٨ / ٦١ ـ ولاحظ الطبري : التاريخ ٣ / ٣٠٣.
٢ ـ الهيثمي : مجمع الزوائد ٥ / ٢١٨. الطيالسي : المسند ٢٥٩ وللحديث صور اُخرى.
٣ ـ أبو جعفر الاسكافي : المعيار والموازنة ٢٤. وابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٤٢ ـ عبدالله المامقاني : تنقيح المقال برقم ٦٩٨٩.