متى لم تكن للكافرين وليّاً وللمسلمين عدوّاً (١) ، فكان هواه مع معاوية لموعدة وعدها إيّهاه وهي ولاية مصر وقد تحدّث عنها المؤرّخون في قصّة طويلة حيث قال معاوية له : وهلّم فبايعني ، فقال عمرو : لا والله لا أعطيك من ديني حتى آخذ من دنياك. قال معاوية : سل ، تعط ، قال : مصر طعمة (٢).
وروى ابن مزاحم قال : قال معاوية لعمرو : إنّي أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربّه ، وقتل الخليفة وأظهر الفتنة وفرّق الجماعة وقطع الرحم.
قال عمرو : إلى من؟ قال : إلى جهاد عليّ ، قال : فقال عمرو : والله يا معاوية ما أنت وعلي بعكمي بعير ، مالك هجرته ولاسابقته ، ولاطول جهاده ، ولا فقهه ، ولا علمه ، والله إنّ له ذلك حدّاً وجدّاً وحظّاً وحظوةً ، وبلاءاً من الله حسناً ، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه ، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال : حكمك. قال : مصر طعمة ، قال : فتلكّأ عليه معاوية.
قال نصر : وفي حديث آخر ، قال : قال له معاوية : يا أباعبدالله ، إنّي أكره أن يتحدّث العرب عنك انّك إنّما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا. قال : دعني عنك. قال معاوية : إنّي لو شئت أن اُمنّيك وأخدعك لفعلت. قال عمرو : لا لعَمرالله ، ما مثلي يخْدَع ، لأنا أكيس من ذلك. قال له معاوية : اُدن منِّي برأسك اُسارّك. قال : فدنامنه عمرو يسارُّه. فعضَّ معاوية اُذنه وقال : هذه خدعة ، هل ترى في بيتك أحداً غيري وغيرك؟ (٣).
قال ابن أبي الحديد بعد هذا : « قلت : قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمهمالله : قال عمرو : « دعنا عنك » كناية عن الإلحاد بل تصريح
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٨٣.
٢ ـ ابن قتيبة : الامامة والسياسة ١ / ٩١ ـ مضى النص فلاحظ تعليقتنا عليه.
٣ ـ نصربن مزاحم : وقعة صفّين ٤٣.