رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد سبقت البيعة له في يوم الغدير وغيره ، وكان يحتجّ به وبغيره من النصوص على استحقاقه لها ويعترف نفسه واهل بيته بقوله : « ولهم خصائص حقّ الولاية وفيهم الوصّية والوراثة » (١).
ومع ذلك رأى أنّ في مواجهة هذا الانحراف في تلك الظروف العصيبة مفسدة أعظم من فوت الولاية فتنازل عن الأمر فسدل دونه ثوباً ، وطوى عنه كشحاً ، وهو يصف الحال في بعض خطبه ويقول : « ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أهل بيته ، ولا انّهم منحّوه عنّي من بعده ، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه ، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل ، يزول منهما ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب ، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمئن الدين وتنهنه » (٢).
قام أبوبكر بأعباء الخلافة ، وحارب أصحاب الردّة ، إلى أن مضى لسبيله ، فأقام مكانه عمر بن الخطاب وهو أيضاً سار بسيرة من قبله ، وكان المسلمون يجتازون البلاد ، ويفتحون القلاع ، ويسيطرون على العالم بفضل الدين والايمان ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة من قريش وزعم أنّ رسول الله مات وهو عنهم راض وهؤلاء هم : عليّ ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبدالرحمن بن عوف ، وقال : رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم ، ثم نظر إلى كل واحد من هذه الستة إلى أن نظر إلى
__________________
١ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٥.
٢ ـ الرضي : نهج البلاغة الكتاب ٦٢.