قد تعرّفت على مأساة التحكيم وما خلّف من آثار ونتائج سيّئة في جيش الإمام وأصحابه حيث فرّقهم وشقَّ شملهم ، فانقلب الاخوان أعداءً ، وأصبح الأنصار معارضين ، إلى أن أدّى ذلك إلى حروب دامية ضدّ إمامهم أمير المؤمنين ولم يبرحوا حتى قضوا على حياته حيلة وغيلة.
لقد بذر معاوية تلك البذرة في جيش الإمام ، ولم يدر بخلده أنّ هذه البذرة سوف تنمو وتكون أشواكاً تعكّر عليه صفو خلافته ، وتشغل باله عشرين سنة إلى العام الذي هلك فيه ، فحصد مازرع ووقع بالحفرة التي حفرها ، وسوف نذكر الحروب والانتفاضات التي جرت في عهد معاوية بعد أن تسنّم عرش الخلافة من عام ٤١ إلى ٦٠ من الهجرة.
نعم لم تقف انتفاضاتهم بهلاك معاوية ، بل استمرّت بعد هلاكه ، وعلى طول عهد بني اُميّة ، غير انّا نكتفي بما جرى في عهد معاوية وبعده بقليل ، ليكون نموذجاً لسائر الثورات التي قاموا بها إلى أواخر العصر الأموي. فكانوا مثلا لقوله سبحانه : ( ألَمْ يَأتِكُمْ نَبَؤُاْ الَّذِينَ كَفَروُا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وبالَ أَمْرِهِمْ