وَ لَهُمْ عَذابٌ اَليِمٌ ) (١).
وقبل ذلك نلفت نظر القارىء إلى هذه الانتفاضات من زاوية اُخرى ، فالخوارج وإن قاموا في وجه الطغاة اللئام من بني اُميّة فثاروا عليهم هنا وهناك بصورة عشوائية ومتفرّقة ، فأسهروا عيونهم وزعزعوا كيانهم ، ولكنّهم أيضاً ذاقوا وبال أمرهم لأنّهم عصوا إمامهم ، وقلّبوا الاُمور عليه ، وأوجدوا الفوضى في عصره ، فصدق فيهم قول الامام وهو يخاطبهم : « أما انّكم ستلقون بعدي ذلاّ شاملا ، وسيفاً قاطعاً ، يتّخذها الظالمون فيكم سنّة » (٢).
وهذا الكلام تنّبؤ من الإمام عن مستقبلهم المظلم ، ويحقّ له هذا التنّبؤ ، كيف وهو باب علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، نعم احتمل ابن أبي الحديد أن يكون دعاءً أيضاً وقال : وهذه المخاطبة لهم وهذا الدعاء عليهم ، وهذه الأخبار عن مستقبل حالهم ، وقد وقع ذلك ، فإنّ الله تعالى سلّط على الخوارج بعده الذلّ الشامل ، والسيف القاطع ، والاثرة من السلطان ، ومازال حالهم يضمحل حتى افناهم الله تعالى وافنى جمهورهم.
ثمّ إنّ ابن أبي الحديد ذكر في أخبارهم شيئاً كثيراً وأطنب الكلام في سيف المهلّب بن أبي صفرة وبنيه على الخوارج وانّ نتيجته كانت الحتف القاضي ، والموت الزؤوم للخوارج.
إنّ موسوعتنا هذه موسوعة تاريخ العقائد ، لا تاريخ الأقوام ، ولأجل ذلك ضربنا صفحاً عن نقل جميع الانتفاضات التي أقامها الخوارج في الشهود المختلفة ، وفي أماكن متفرّقة ، واكتفينا بماقاموا به في العصر الإموي ، وخصّصنا بالذكر خصوص ما يرجع إلى عهد معاوية بن أبي سفيان زارع هذه
__________________
١ ـ التغابن ٥.
٢ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٥٨.