السجّان (١).
يقول المبرّد : كان مرداس قد شهد صفّين مع علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ وأنكر التحكيم ، وشهد النهر ، ونجا فيمن نجا ، وبعد ما خرج من حبس ابن زياد عزم الخروج ، فقال لأصحابه : إنّه والله ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين ، تجري علينا أحكامهم ، مجانبين للعدل ، مفارقين للفصل ، والله إنّ الصبر على هذا لعظيم ، وإنّ تجريد السيف واخافة السبيل لعظيم ، ولكنّا ننتبذ عنهم ولانجرّد سيفاً ولانقاتل إلاّ من قاتلنا. فاجتمع إليه أصحابه زهاء ثلاثين رجلا ، فلمّا مضى بأصحابه لقى عبدالله بن رباح الأنصاري ، وكان له صديقاً فقال له : أين تريد؟ قال : اُريد أن أهرب بديني وأديان أصحابي من أحكام هؤلاء الجورة ، فقال له : أعلم بكم أحد؟ قال : لا. قال : فارجع ، قال : أو تخاف عليّ مكروهاً؟ قال : نعم وأن يؤتى بك ، قال : لا تخف فإنّي لا اُجرّد سيفاً ولا اُخيف أحداً ولا اُقاتل إلاّ من قاتلني ، ثم مضى حتى نزل « آسك » وهي ما بين رامهرمز وارجان ، فمرّ به مال يحمل لابن زياد ، وقد قارب أصحابه الأربعين ، فحطّ ذلك المال ، وأخذ منه عطاءه واعطيات أصحابه ، وردّ الباقي على الرسل وقال : قولوا لصاحبكم : إنّما قبضنا اعطياتنا ، فقال بعض أصحابه فعلام ندع الباقي؟ فقال : إنّهم يقسمون هذا الفيء ، كما يقيمون الصلاة فلانقاتلهم.
كل ذلك دليل على عدم تطرّفه واعتداله وانّه أحسّ بعقله أو بدينه أن مآل التطرّف هو الموت والزوال.
وممّا يدل على اعتداله ـ خلافاً لمن سبق عليه ـ أنَّ رجلا من أصحاب ابن زياد ، قال : خرجنا في جيش نريد خراسان ، فمررنا بـ « آسك »
__________________
١ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٢٣٢.