فإذا نحن بهم ستة وثلاثين رجلا ، وصاح بنا أبوبلال : أقاصدون لقتالنا أنتم؟ وكنت أنا واخي قد دخلنا زربا (١) ، فوقف أخي ببابه وقال : السّلام عليكم ، فقال مرداس : وعليكم السّلام ، فقال لأخي : أجئتم لقتالنا؟ فقال له : لا إنّما نريد خراسان ، قال : فبلغوا من لقيكم انّا لم نخرج لنفسد في الأرض ، ولا لنروّع أحداً ولكن هرباً من الظلم ولسنا نقاتل إلاّ من يقاتلنا ، ولانأخذ من الفيء إلاّ اعطياتنا ، ثمّ قال : أنَدِب إلينا أحد؟ قلنا : نعم ، أسلم بن زرعة الكلابي. قال : فمتى ترونه يصل إلينا؟ قلنا : يوم كذا وكذا ، فقال أبوبلال : حسبنا الله ونعم الوكيل.
فلمّا سار إليهم أسلم ، صاح به أبو بلال : اتّق الله يا أسلم ، فإنا لا نريد قتالا ، ولا نَحْتَجِن فيئاً ، فما الذي تريد؟ قال : اُريد أن أردّكم إلى ابن زياد ، قال مرداس : إذاً يقتلنا ، قال : وإن قتلكم؟ قال : تشركه في دمائنا ، قال : إنّي ادين بأنّه محقّ وأنّكم مبطلون ، فصاح بن حريث بن جحل (من أصحاب أبي بلال) : أهو محق وهو يطيع الفجرة وهو أحدهم ، ويقتل بالظِنَّة ، ويخص بالفيء ، ويجور في الحكم؟ أما علمت أنّه قتل بابن سُعادَ ، أربعة براء؟ ثم حملوا عليه حملة رجل واحد وكان معبد أحد الخوارج قد كاد يأخذه فانهزم هو وأصحابه من غير قتال ، فلمّا ورد أسلم على ابن زياد ، غضب عليه غضباً شديداً ، قال : ويلك أتمضي في ألفين فتنهزم لحملة أربعين؟ .... وكان إذا خرج إلى السوق ، أومرّ بصبيان ، صاحوا به : أبو بلال وراءك ، وربّما صاحوا به : يا مَعْبد خذه ، حتى شكا ذلك إلى ابن زياد ، فأمر ابن زياد الشرط أن يكفّوا النّاس عنه ، ففي ذلك يقول عيسى بن فاتك من بني تيم :
____________
١ ـ الزرب : جمع الزرب وهو مسيل الماء ، حظيرة المواشي وعرين الأسد.