مكّارة ، لذّتها نافذة ، ونعيمها بائد ، حُفَّتْ بالشهوات اغتراراً ، وأظهرت حَبْرةً (١) وأضمرت عبرة ، فليس آكلُ منها أكلةً تَسرّه ، ولا شاربُ منها شربةً تونقه (٢) إلاّ دنابها درجةً إلى أجله ، وتباعد بها مسافة من أمله ، وإنّما جعلها الله دار المتزوّد منها ، إلى النعيم المقيم ، والعيش السليم ، فليس يرضى بها حازم داراً ولا حليم قراراً ، فاتّقوا الله وتزوّدوا ، فإنّ خير الزاد التقوى ، والسلام على من اتّبع الهدى.
قال المبرّد : لمّا ورد كتابه عليهم وفي القوم يومئذ أبوبيهس هيصم بن جابر الضبعّي ، وعبدالله بن اباض المري ، فأقبل أبوبيهس على ابن أباض فقال : إنّ نافعاً غلا فكفر ، وانّك قصّرت فكفرت تزعم أنّ من خالفنا ليس بمشرك ، وانّما كفّار النعم ، لتمسّكهم بالكتاب ، وإقرارهم بالرسول ، تزعم أنّ مناكحهم ومواريثهم والاقامة فيهم حلّ طلق ، ثم أدلى أبوبيهس برأيه وسيوافيك في محلِّه.
ويظهر من هذا الكتاب والكتاب الذي كتبه إلى عبدالله بن الزبير (٣) : إنّ نافع بن الأزرق كان من المتطرّفين بين الخوارج ، ولم نجد في تاريخ الخوارج أشدّ تطرّفاً منه.
ثمّ إنّ عامل البصرة يومئذ عبدالله بن الحارث الخزاعي من قبل عبدالله بن الزبير ، فأخرج عبدالله بن الحارث جيشاً مع مسلم بن عبس بن كريز بن حبيب بن عبد شمس لحرب الأزارقة ، فاقتتل الفريقان بدولاب الأهواز ، فقتل مسلم بن عبس وأكثر أصحابه ، فخرج إلى حربهم من البصرة عمربن عبيدالله بن معمر التميمي في ألفي فارس ، فهزمته الأزارقة ، فخرج إليهم حارثة بن بدر الغداني
__________________
١ ـ الحبرة : النعمة.
٢ ـ تونقه : تعجبه.
٣ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ٢١٢.