الخوارج الذين أبوا إلاّ مفارقة الجماعة والخروج عليهم واستعراض المسلمين بالسيف ، واستحلال دمائهم وأموالهم بغير حقّها ، وذهابهم إلى تكفير هؤلاء ، وإذا كانت الاباضية قد والوا المحكّمة الاُولى إلاّ أنّ ولاءهم لم يكن لمن خرج من بعد ذلك على الدين ، وكان سلوكهم مروقاً وعصياناً (١).
٢ ـ الاباضية لم يجمعهم جامع بالصفرية والأزارقة ومن نحا نحوهم إلاّ انكار الحكومة بين علي ومعاوية ، وأمّا استحلال الدماء والأموال من أهل التوحيد ، والحكم بكفرهم كفرَ شرك ، فقد انفرد به الأزارقة والصفرية والنجدية ، وبه استباحوا حمى المسلمين ولمّا كان مخالفونا لايتورّعون ، ولايكلِّفون أنفسهم مؤونة البحث عن الحق ، ليقفوا عنده ، خلطوا بين الاباضية الذين لايستبيحون قطرة من دم موحّد بالتوحيد الذي معه ، وبين ما استحلّوا الدماء بالمعصية الكبيرة حتى قتلوا الأطفال تبعاً لآبائهم ، مع أنّ الفرق كبير جداً كالفرق بين المستحل والمحرّم.
ثمّ قال : إنّ تسمية الخوارج لم تكن معهودة في أوّل الأمر ، وإنّما هي انتشرت بعد استشراء أمر الأزارقة ولم تعرف هذه التسمية في أصحاب عليّ ، المنكرين للتحكيم والراضين به ، ولعلّ أوّل ما ظهر هذا اللفظ بعد ثبوت الأمر لمعاوية والاستقرار ولم يفرّقوا في ذلك بين المتطرف وغيره (٢).
٣ ـ إنّ الاباضية رغم اعتدالهم من الناحية المذهبية والفقهية إلاّ أنّهم كانوا في عداء سياسي مع دولة بني اُمية ودولة بني العباس لأنّهم كانوا يقولون بأنّ الإمامة أو الخلافة حق لأيّ مسلم صالح ، فلا تكون قاصرة على قريش ، ولا على بطونها المختلفة من الأمويين أو العباسيين أو العلويين ، ولمّا كان هذا الموقف
__________________
١ ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد العماني : ٢١٢.
٢ ـ أبو إسحاق السالمي : تحفة الأعيان : هامش الجزء الأوّل كما في الإمام جابر بن زيد العماني.