ماذا يريد من قوله : الظالم أهلها ، وهل يريد بلدة الكوفة وأهلها الملتفّين حول الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام؟ والحال انّ الآية نزلت في حق المشركين قال سبحانه : ( وِمالَكُمْ لاتُقاتِلُونَ فِى سَبِيِلِ اللهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجال وَالنِّساءِ والوِلْدانِ الّذيِنَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخرِجْنا مِنْ هذِهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها واجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً واجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نصِيراً ) (١).
إنّ المحكّمة الاُولى هم الذين بقروا بطن زوجة عبدالله بن خباب بن الأرت ، ذلك التابعي العظيم ، ولم يكتفوا بذلك ، فذبحوا زوجها كما يذبح الكبش ، بعدما أعطوه الأمان ، وهم الذين قتلوا ثلاث نسوة من طي ، وقتلوا أمّ سنان الصيداوية ، كل ذلك ارتكبوه بعد ما انتقلوا من الحروراء إلى النهروان ، ولمّا بلغ عليّاً هذه الجنايات المروِّعة عمد إلى مقاتلتهم بعد ما أتمّ الحجّة عليهم.
وأيّ دليل على تطرّفهم أتقن من توصيف الإمام إيّاهم بقوله : « سيوفكم على عواتقكم ، تضعونها مواضع البُرء والسقم ، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب » (٢).
أبعد هذا يصحّ للاُستاذ صالح بن أحمد الصوافي تخصيص التطرّف بالخوارج الذين جاءوا بعدهم.
هذا هو شبيب ، مساعد ابن ملجم في قتل علي ، دخل على معاوية في الكوفة بعد قتل عليّ ، ولمّا وقف معاوية على أنّه فيها ، بعث إلى الأشجع لأن يخرجه من الكوفة ، وكان شبيب إذا جنّ عليه الليل خرج فلم يلق أحداً إلاّ قتله. (٣)
____________
١ ـ النساء ٧٥.
٢ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٧.
٣ ـ ابن الأثير : الكامل ٣ / ٢٠٦.