وليس كتابه كتاباً دراسياً يطلب فيه طرح المسائل على وجه السؤال والاستفهام.
ثمّ إنّه يكتب : قد كان في الرؤية طرفان متطرّفان ووسط معتدل هوكان اللقاء بين المذهبين ، وذلك إنّ طرف الاثبات يبالغ حتى يصل به التطرّف إلى حدّ التشبيه والتمثيل والتحديد ، وطرف النفي يبالغ حتّى يصل به التطرّف إلى حد نفي حصول كمال العلم ، وبينهما يقف أصحاب التحقيق في الجوانب المتقاربة التي تلتقي في المعنى الواحد لقاءً كاملا أو لقاءً متقارباً ، وهذه الصورة تتمثّل فيما ذهب إليه بعض علماء أهل السنّة من أنّ الرؤية معناها حصول كمال العلم بالله تبارك وتعالى ، وعبَّر عنها آخرون منهم بأنّ الرؤية تقع بحاسّة سادسة هي كمال العلم ، واختلفت تعابير الكثير منهم ولكنّها تتلاقى في النهاية على نفي كامل الصورة التي يتخيّلها الإنسان لصورة راء ومرئىّ وما تستلزمه من حدود وتشبيه ، وتتّفق في النهاية على الابتعاد عمّا يشعر بأيّ تشبيه في أيّ مراتبه ، وبالمحدودية في أيِّ أشكالها ، وليس لنا أن نخوض فيه بغير القدر التي جاءت به النصوص.
والمعتدلون من الاباضية لايمنعون أن يكون معنى الرؤية هو كمال العلم به تعالى ويمنعون الرؤية بالصورة المتخّيلة عند الناس (١).
عزب عن الكاتب انّ محلّ النزاع من القرن الأوّل إلى القرون المتأخّرة ليس إلاّ الرؤية بالأبصار لابحاسّة سادسة سمّاها كمال العلم ، فإنّ القائلين بالرؤية يستندون إلى ما رواه البخاري وأمثاله من أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « إنّكم ترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر غير متضامّين » ، فليس للمحقّق الكلامي إلاّ موافقة هذا الأصل أو طرده من الرأس ، فاللجوء إلى الرؤية بحاسّة سادسة بمعنى كمال العلم تفسير بأمر بائن وخروج عن محطّ البحث.
__________________
١ ـ علي يحيى معمِّر : الاباضية بين الفرق الإسلامية ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.