إلى انتهازىّ لايهمّه شيء سوى طعمته في الملك والمال ، كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها.
فقام الإمام بالأمر ، وهذا وصف مجتمعه ، وهم إلى الشدة والقسوة أقرب إلى الصلاح والفلاح. وأوّل من جهر بالخلاف وألَّب المخالفين على علىّ ، هو معاوية بن أبي سفيان فقد كان واقفاً على أنّ عليّاً لايساومه بأيّة قيمة ولايبقيه في مقامه الذي كان عليه من عصر الخليفة الثاني إلى يوم بويع علىّ بالخلافة ، فقام بتأليب بعض الصحابة على الامام وإغرائهم على الخلاف ، بحجّة أنّه أخذ البيعة لهم من أهل الشام ، وهذا نص رسالته إلى الزبير بن العوام وقد وقف على أنّه بايع عليّاً بملأ من الناس ، وفيها : « بسم الله الرحمن الرحيم ، فانّي قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك الكوفة والبصرة لايسبقك إليها ابن أبي طالب ، فإنّه لاشيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعتُ لطلحة بن عبيدالله من بعدك فاظهر الطلب بدم عثمان ، وادعوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجدّ والتشمير ، أظفركما الله ، وخذل مناوئكما ».
ولّما وصل هذا الكتاب إلى الزبير ، أعلم به طلحة فلم يشكّا في انّ معاوية ناصح لهما واجمعا عند ذلك على خلاف عليّ عليهالسلام (١).
كانت الغاية الوحيدة من أخذ البيعة من رعاع الناس في الشام للزبير وطلحة وإعلامهما لذلك ، هو تشجيعهما على مخالفة الإمام عليهالسلام بحجّة أنّهما خليفتان مترتبان ، وأنّه يجب على علىّ أن يترك الخلافة جانباً ، وبذلك أراد أن يحدث صدعاً في صفّ الذين بايعوا الإمام ، ويفتح باب الخلاف ونكث البيعة ، أمام الآخرين.
__________________
١ ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ١ / ٢٣١.