كانت تلك الرسالة تحمل شروراً إلى الاُمّة الإسلامية وقد اغتر الشيخان بكلام ابن أبي سفيان فتآمرا على الخلاف ونكث البيعة على وجه يأتي شرحه.
ولم يكن نكث البيعة منهما نهاية الخلاف ، بل كانت فاتحة لشرّ ثان وهو تجرّؤ معاوية على عليّ وبغيه على الإمام المفترض طاعته ، بالحرب الطاحنة ، وكان الإمام على أعتاب النصر والظفر حتى نجم شرّ ثالت وهو خروج طائفة من أصحاب الامام عليه بحجة واهية تحكي عن سذاجة القوم وقلّة وعيهم : وهي مسألة التحكيم ، وبذلك خاض الإمام في خلافته القصيرة التي لاتتجاوز عن خمسة أعوام ، حروباً دامية ، يحارب الناكثين تارة ، والقاسطين اُخرى ، والمارقين ثالثة ، وفي ذلك يقول الإمام : « فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت اُخرى ، وقسط آخرون ، كأنَّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول : ( تِلْكَ الدارُ الآخرِة نَجْعَلُها لِلّذِينَ لايُريدونَ عِلُوّاً فِي الأرْضِ ولافَساداً والعاقِبَةُ للمتّقين ) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنّهم حَلِيَت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها (١).
قام الإمام بفقأ عين الفتنة بعد انتهاء حرب صفّين ـ وياللأسف ـ ولم يمض زمن إلى أن اُغْتِيل بيد أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود (٢) ـ حسب تعبير النبي الأكرم ـ ، وبذلك طويت صحيفة عمره ولقى الله تعالى بنفس مطمئنة ، وقلب سليم ، وقد تنبّأ النبي الأكرم بحروبه الثلاثة ، وأنّه سيقاتل طوائف ثلاثة وهم بين ناكث وقاسط ومارق من الدين.
روت اُمّ سلمة أنّ علياً عليهالسلام دخل على النبي الأكرم في بيتها فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مشيراً إلى علي : هذا والله قاتل الناكثين
__________________
١ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٣.
٢ ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا ٢٩٧.