إنّ الاباضية لا يعترفون بالتقليد فيما يأخذون أو يدّعون حتى لفقهائهم أنفسهم ، والمشهور عنهم أنّهم يقولون : إنّهم رجال تقييد لاتقليد ، أي أنّهم يتقيّدن بالكتاب والسنّة ، وبما تقيّد والتزم به السلف الصالح ، ولايقلّدون أصحاب المذاهب أو أصحاب الأقوال إلاّ إذا كانت أقوالهم موافقة للكتاب والسنّة (١).
إنّ المذهب الاباضي كما وصفه الكاتب يستند إلى الأدلّة الشرعية والعقلية ، فالعقل عندهم حجّة كالكتاب والسنّة ، وليس ذلك أمراً خفيّاً على من سبر كتبهم العقائدية والفقهية ، وقد كان ذلك معروفاً عنهم في القرون الاُولى حتى بين مخالفيهم على وجه قالوا : باغناء العقل عن السمع في أوّل التكليف. يقول المفيد شيخ الشيعة في القرن الرابع :
« اتفقت الإمامية على أنّ العقل يحتاج في علمه ونتائجه إلى السمع وأنّه غير منفك عن سمع ينبّه الغافل على كيفيّة الاستدلال ، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول ، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث ، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية على خلاف ذلك ، وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقّف ، إلاّ أنّ البغداديين من المعتزلة خاصّة يوجبون الرسالة في أوّل التكليف » (٢).
وهذا النحو من الاعتماد على العقل يعد نوع مغالاة في القول بحجيّته إلاّ في مورد لزوم إصل المعرفة ، لاستقلاله عليه دفعاً للضرر المحتمل وغيره ما حرّر
__________________
١ ـ الدكتور رجب محمّد عبدالحليم : الاباضية في مصر والمغرب وعلاقتهم بأباضية عمان والبصرة : ٥٨ ـ ٦١.
٢ ـ الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ) : أوائل المقالات ١١ ـ ١٢.