في محلّه (١)
إنّ القول بحجّية العقل لايعني منها إلاّ حجّيته في موارد يستقلّ بحكمها العقل على وجه اللزوم والقطع كالملازمات العقليّة ، مستقلّة كانت أو غير مستقلّة ، والأوّل كاستقلاله بالبراءة عن أيّ تكليف فيما إذا لم يرد من الشارع فيه بيان ، ولزوم الفحص عن بيّنة مدّعي النبوّة ، والنظر في دعواه وبرهانه ، والثاني كالمسائل المعروفة بباب « الملازمات العقلّية » في اُصول الفقه ، كادّعاء الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ، أو نقيضه (الضد العام) إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه ، ولا يحتجّ به الاّ فيما إذا لم يرد من الشرع حكم في مورده ، وإلاّ فلا يقام له وزن ، ولأجل الغلوّا الموجود في كلماتهم التي ترتبط بالعقل نجد لهم فتاوى فقهية لاتوافق الكتاب والسنّة ، وقد أعطوا للعقل العاطفي فيها قيمة أكثر ممّا أعطوه للكتاب والسنّة ، فقدّموا حكم العقل الظنّي على الحكم الشرعي القطعي ، وإليك نماذج :
١ ـ قد بلغت السماحة وحب السلام لدى الاباضية أنّ فقهاءهم فضّلوا الصلح بين أي فئتين من المؤمنين وقع القتال بينهما ، وأنّه لاينبغي لأحد أن يفضّل أيّ فئة منهما على الاُخرى ، حتى لاتحدث فتنة ، وفي ذلك قال أحد شيوخهم من المغاربة : « إنّه إذا وقعت الفتنة بين فئتين من المؤمنين فالأحبّ إليّ أن يصطلحوا ، فإن لم يفعلوا فالأحبّ إليّ أن لاتغلب فئة فئة ، فإنّ من أحبّ أن تغلب أحدهما الاُخرى فقد دخل في الفتنة ولزمه ما لزمه أهل تلك ، وكان سيفه يقطر دماً ، والسلامة عندي أن يكونا في البراءة سواء ، لايرجّح احدى الطائفتين ، فإنّه متى رجّح اُثم » (٢).
____________
١ ـ لا حظ محاظراتنا في الالهيات بقلم الشيخ حسن مكّي العاملي ١ / ٢٤.
٢ ـ الدكتور رجب محمّد عبدالحليم : الاباضية في مصر والمغرب : ٦١ ، نقلا عن الدرجيني : طبقات المشايخ بالمغرب ٢ / ٤٩١.