كالتزوّد ، فإنّه يعتبر في منزله غريباً مسافراً يقصر الصلاة. ولكنّه عندما يكون في شعف الجبال ، أو بطون الأدوية ، يقطع المواصلات على الطغاة ، أو يهدم الجسور التي تمرّبها القطر الظالمة ، أو يقتلع اُسس القلاع التي تجمع ذخيرة الجبابرة ، حينئذ يعتبر في منزله وبين أهله ، وهم في كلّ ذلك لايحلّ لهم أن يروّعوا الآمنين ، أو أن يسيئوا إلى المسالمين. إنّه تنظيم رائع للفدائية في الإسلام عندما يتحكّم الظلم ، ويستعلي عبيد الشيطان ، وتعطّل أحكام الله بأحكام الإنسان ، يقول أبو إسحاق : « الشراء من أخص أوصاف الاباضية ».
فإذا رضيت الاُمّة بالذل ، واستسلمت للظلم ، وجرى عليها حكم الطغاة ، ولم يقم فيها من يثور لكرامة الإسلام المهدرة ، ولالشرف الرسالة التي أعزّت الإنسانية ، وتغلّب حبّ الدعة على كلّ فرد ، وركن الجميع إلى الراحة ، فلم تتكوّن حتى الفدائية التي تقضّ مضاجع الظالمين ، وتذكّرهم أنّ حكمهم لن يقر ، وأنّ كراسيهم لن تستقر ، وأنّ المقاومة لاتزال هي أمل المؤمنين ، وانّهم سوف يحاسبون أمام الله ، والاُمّة حساباً عسيراً.
إذا ضعفت الاُمّة حتى عن هذه المرتبة ، أصبحت تحت التنظيم الأخير ، تنظيم الكتمان. وعندئذ يجب أن يبتعد المؤمنون عن مساعدة الظالمين بتولّي الوظائف الظالمة ، وأن تتولّى شؤونهم جمعيات تبثّ فيهم هداية الله ، وتملأ قلوبهم بالإيمان بالله ، وتنشر فيهم المعرفة والثقافة الاسلامية التي تبصّرهم بدين الله ، فلاتكون علاقتهم بالظالمين إلاّ في أيسر طريق ، وأضيق مجال ، فيما يتعلّق بجباية الأموال المفروضة عليهم للحاكمين ، وهي الجمعيّات ، أو ما يسمّى في التنظيم الاباضي « بحلقة العزّابة » (١).
__________________
١ ـ علي يحيى معمّر : الاباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الاُولى ٩٣ ـ ٩٦.