وأمّا سائر الاُصول التي يعتقدون بها فهم يلتقون فيها مع بعض الفرق الإسلامية ، مثلا يلتقون في القول بعدم زيادة صفاته على ذاته ، وامتناع رؤية الله سبحانه في الآخرة ، وتنزيهه سبحانه عن وصمة التشبيه بتأويل الصفات الخبرية تأويلا تؤيّده قواعد الأدب والمحاورة وحدوث القرآن ، ففي هذه الاُصول يلتقون مع المعتزلة والشيعة الإمامية ، وفي تفسير الشفاعة بمعنى ترفيع الدرجة ، أو سرعة الدخول إلى الجنّة وخلود أهل المعاصي في النار يلتقون مع المعتزلة ، وفي تفسير القدر وكون أفعال الانسان مخلوقة لله سبحانه فهو خالق والعبد كاسب يلتقون مع الأشاعرة (١).
إذا سلّمنا أنّ هذه الاُصول من عقائدهم وسلّمنا أنّ ما كتبه كتّاب الفرق ورموهم به فرية بلامرية ، نرى أنّ من الواجب أن تقوم الطائفة الاباضية بالاُمور التالية حتى يدعم الوئام ويملأ الفراغ وتصبح الاُمّة يداً واحدة ، وهي :
١ ـ إنّ الإيمان بصحّة كل ما يكتبونه عن منهجهم ويفسّرون به عقائدهم مشكلٌ جدّاً لما وافاك من أنّ لهم في تبيين الدين مسالك أربعة ومن بين تلك المسالك : « الكتمان والسر » فعندئذ انّه من المحتمل أن تكون كل هذه المناشير مستقاة من هذا المبدأ وأنّها دعايات برّرتها التقيّة ، وسوّغتها المصالح الزمنيّة.
فلأجل استقطاب قلوب الناس ، حان حين الشطب على هذه المسالك في تبيين الدين ، خصوصاً انّ القوم يعيشون في عصر الحريّة ، وعندئذ لامبرّر لهم للتقّية لأنّ التقيّة شأن من يخفي عقيدته من مخالفه ، ويخاف من ابداء موقفه من الهجوم والقتل والضرب ، وأنتم بحمدالله أيّها الاباضيّون ملتقون مع الفرق الإسلامية في جميع المسائل إلاّ مسألتين غير هامّتين ، فأجهروا بالحقيقة واشطبوا على هذه المسالك واتّخذوا مسلكاً واحداً.
__________________
١ ـ علي يحيى معمّر : الاباضية بين الفرق الإسلامية ١ / ٢٨٩ ـ ٢٩٧.