٢ ـ إذا كان الحدّ الفاصل بينكم وبين سائر المسلمين هو الأمران المذكوران ، فمن الجدير شطب القلم على هذين الأمرين ايضاً : أمّا مسألة القرشية فلو كان شرطاً فإنّما هو شرط في الخلافة الإسلامية والإمامة الدينية ، وأين المسلمون من هذه المنى؟ وأين هم به من إقامة صرح الإمامة ، وهم يعيشون في سحيق القومية البغيضة النامية في أقوام المسلمين ، والعجب انّ الشيخ علي يحيى معمّر قد تنّبه بما ذكرنا ، وقال :
« والآن قد ألغت الحياة بعض تلك الاعتبارات التي أدخلتها السياسة على الموضوع ، واتّضح للناس جميعاً انّ الصراع الذي وقع بسبب اشتراط الوصية ، أو الهاشمية أو القرشية ، أو العروبة أو اعتبار الإمام معصوماً ، أو لايجوز اسقاطه ولو كان منحرفاً ، كل هذه الجوانب التي كان الخلاف بسببها بين فرق الاُمّة ثبت اليوم أنه صراع على تفصيلات لاتدخل في أصل الموضوع » (١).
إنّ فيما ذكره وان كان إغراقاً حيث انّ البحث عن الوصاية ليس بالمرتبة التي تخيّلها ، لأنّه كان يجب على المسلمين بعد رحلة النبي أن يبحثوا عن كيفيّة الاستخلاف وانّه هل هو أوصى برجل أو أدلى الأمر إلى الاُمّة ، ولكن وراء ذلك كلّه مشاغبات حدثت بين المسلمين ، لاتمت إلى الإسلام بصلة ، فإذا كان شرط القرشية وعدمها هذا فما هو المبرّر لجعله أصلا دينياً.
أما مسألة التحكيم ، فقد عرفت الحقّ فيه ، ولكنّه ليس أصلا من اُصول الدين يناط به الإسلام والإيمان وقد عاش المسلمون في عصر النبي وبعده إلى أواسط خلافة الإمام علي عليهالسلام ولم تكن هذه المسألة مطروحة. أفهل يصحّ أن نتّخذه شعاراً وأصلا أصيلا من الاُصول كالتوحيد ، والنبوّة ، والمعاد ، وما جاء به النبي في مجال المعاش والحياة؟
__________________
١ ـ علي يحيى معمّر : الاباضية بين الفرق الإسلامية ٢ / ١٥٠.