إنّ مسألة التحكيم مسألة تاريخية اختلف فيها الناس من حيث التصويب والتخطئة ، فإذا لم تكن الإمامة عند أهل السنّة ، أصلا من الاُصول فكيف يكون فرعه اصلا منها؟ وأقصى ما عند أهل السنّة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » وهو لايدل على أزيد من لزوم معرفة الإمام الحي ، فالاعتقاد بوصف فعل الإمام (صحّة التحكيم وعدمه) الذي مضى قبل أربعة عشر قرناً لايكون أصلا من الاُصول حتى تلزم الاُمّة بالاعتقاد بأحد الطرفين. نعم إنّ ذلك لايمنع عن طرح الموضوع على بساط البحث بين العلماء وبين المدارس والصفوف العلمية من دون أن يكون تحيّز كل فئة في المسألة سبباً للتفرقة.
٣ ـ إنّ الاباضية يثنون على المحكّمة الاُولى كعبدالله بن وهب ، وحرقوص بن زهير السعدي ، وزيد بن الحصين الطائي ، ومن لفّ لفّهم من المحكِّمة الاُولى ولايذكرون عنهم شيئاً سوى أنّهم خالفوا التحكيم ، وانّ عليّاً حكَّم الرجال في موضوع له حكم في الكتاب والسنّة وهو قتال أهل البغي ...
يذكرون ذلك ويطرون عليهم ولايذكرون من عملهم الإجرامى شيئاً وهو أنّ هؤلاء هم الذين فرضوا التحكيم على الإمام ، وانّ زيد بن الحصين الطائي جاء مع زهاء عشرين ألف رجل مقّنعين في الحديد ونادوا الإمام باسمه لابإمرة المؤمنين ، وقالوا له : لابد من الموافقة على وضع الحرب ، وإلاّ نقتلك كما قتلنا عثمان ، فاضطرّ الإمام إلى التنازل والموافقة بعد ما خالفهم واحتجّ عليهم بأنّ رفع المصاحف خدعة ومكيدة ، وانّه يعرف هؤلاء وانّهم كانوا شرّ أطفال فصاروا شرّ رجال.
هذا هو زيد بن الحصين الطائي فهو بعد فترة قصيرة أصبح مخالفاً للتحكيم إلى حدّ كان هو المرشَّح الأوّل للخوارج في قضية سوق المحكّمة إلى النهروان ،