ولمّا امتنع من قبول القيادة اقترح على حرقوص بن الزهير السعدي ، ثمّ على غيره فقبل القيادة في النهاية عبدالله بن وهب الراسبي (١).
فكيف يتولّون جماعة متسرّعين في القضاء تسمّونهم أئمّة وشهداء ولاتذكرون من عملهم الاجرامي شيئاً؟! شهد الله انّي لم أر كلمةً في كتبهم تذكر عملهم الإجرامي في أمر التحكيم.
٤ ـ إنّ الاباضية وصلت في ضوء الاجتهاد المطلق مرتبة جديرة بالذكر وآية ذلك انّهم التقوا في مسألة الرؤية ، وعينيّة الصفات ، وحدوث القرآن ، وتفسير الصفات الخبرية ، مع أهل الوعي والعقل والتفكير من المسلمين ، ولاشكّ إنّهم وصلوا إلى هذه الاُصول بعد موت عبدالله بن اباض ، وجابر بن زيد ، ومسلم بن أبي كريمة ، والربيع بن حبيب ، لأنّ هذه الاُصول إنّما صفت وتنوّرت وتلألأت بفضل البحوث الجبّارة من أهل الفكر والتحقيق ومن فضل ماورث علماء أهل البيت من خطب الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام حتى صقلوها ببراهينهم الجليّة ، فإذا كان هذا حال مذهبهم فلأي مبرّر يسندون مذهبهم إلى واحد من التابعين كعبدالله بن اباض وجابر بن زيد وتلاميذه؟ مع أنّهم لم يكونوا بالنسبة إلى هذه المسائل في حلّ ولامرتحل.
أضف إلى ذلك أنّ الرجلين كانا من التابعين أخذوا عن الصحابة وبلغوا إلى ما بلغوا من العلم ، ولكن بين علماء الاُمّة من كان أعلم منهما أعني اُستاذه ابن عباس ، ذلك البحر الموّاج ـ حسب تعابير القوم ـ ، بل وبينهم الإمامان الحسن والحسين ، وباقر العلوم ، وجعفر الصادق عليهمالسلام وغيرهم فلوكان هناك ملزم للانتساب ، فالانتساب إلى الأعلم والأتقى ومن نصّ الكتاب على وجوب ودّه ، أولى وألزم ، فإن كان هذا الانتماء غير ممكن فالانتماء إلى
__________________
١ ـ الطبري : التاريخ ٤ / ٥.