ولمّا تمّت الحجة عند الإمام انّ الرجل ليس على وتيرة صحيحة ، عزله عن منصبه فولّى على الكوفة قرظة بن كعب الأنصاري وكتب إلى أبي موسى اعتزل عملنا يا بن الحائك مذموماً مدحوراً ، فما هذا أوّلُ يومنا منك وانّ لك فينا لهنات وهنات.
وسار علي فيمن معه حتى نزل بذي قار وبعث بابنه الحسن وعمار بن ياسر إلى الكوفة يستنفران الناس ، فسارا عنها ومعهما من أهل الكوفة نحو من سبعة آلاف ، وقيل ستة آلاف وخمسمائة وستون رجلا منهم الأشتر.
فانتهى علي إلى البصرة وراسل القوم وناشدهم فأبوا إلاّ قتاله (١).
قد وصلنا إلى أعتاب الحرب الطاحنةِ المعروفة بحرب « الجمل » وقبل الخوض في تفصيلها نشير إلى نكات تستفاد فيما سردناه من المقدمات ، ثم نخوض في صلب الموضوع حسب اقتضاء المقام.
١ ـ إنّ الزبير وطلحة بايعا عن طوع ورغبة ولكن بايعا لبغية دنيوية وطمعاً في المال والمقام ، ولم يمض زمان من بيعتهما إلاّ وقد أتيا عليّاً يسألانه اشتراكهما في بعض أعماله ، وكان لهما هوى في ولاية الكوفة والبصرة ، وكانت ديانة علي عليهالسلام تصدّه عن الاجابة ، إذ لم يكونا صالحين لما يطلبانه ، وقد أثبتا ذلك ـ قبل اشعال نار الحرب ـ بنكثهما وتحريضهما الناس على النكث وقتلهم الأبرياء من الموكّلين وحرس بيت المال ، وقد انتهى الأمر بسفك دماء آلاف من المسلمين.
كل ذلك يعرب عن أنّ مقاومة علي ، تجاه طلبهما كانت أمراً صحيحاً يرضي به الربّ ورسوله ، ولم يكن لعلي هوى إلاّ رضى الله سبحانه ورضى رسوله.
__________________
١ ـ المسعودي : مروج الذهب ٣ / ١٠٤.