أقرب ممّا يتوقّع ، ومهّد لذلك بتكوين طابور خامس في جيش علي ثم دعا إلى التحكيم.
وعرف علي وعرف أصحابه مقصد معاوية من التحكيم ، وأنّها احدى المكائد الّتي تفتق عنها ذهن عمرو بن العاص ، ولذلك قال علي : إنّما قاتلناهم بكتاب الله ، وأصرّ هو واصحابه على الجهاد ، ولكن الطابور الخامس الّذي كان يقوده أكبر صنايع معاوية : الأشعث بن قيس ، كان قد عمل في الجيش ، ومالت الأغلبية إلى قبول التحكيم ، وحينما كان علي والمخلصون من أصحابه يكافحون لإقناع بقيّة الجيش بصواب موقفهم (مواصلة الحرب) ونبذ الاستماع إلى هذه الخدعة الحربية الّتي لجأ إليها الفريق الباغي ، لخّص أحد أصحابه موقفهم هذا في هذه الكلمة المشهورة « لاحكم إلاّ لله » وكانوا يصيحون بها في جوانب الجيش ويرددها أنصار علي في كل موقف وكان علي يستمع إليها راضياً بها وهو يناقش الناس ويدعوهم إلى التمسّك بمضمون هذه الكلمة وعدم الانخداع بحيل معاوية لأنّ قضيتهم واضحة وقد حكم فيها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات ...
وشاءت إرادة المولى سبحانه وتعالى ـ لحكمة يعلمها ـ أن لاتستجيب الإغلبية لعلي وأن تميل أكثريّة الجيش إلى دعاة الهزيمة ، وأن يتغلّب الأشعث ابن قيس صنيعة معاوية على المناضلين من أجل الحق ، فيجد الإمام نفسه مضطرّاً إلى التخلّي ، وترك الصفوة من أصحابه ليحافظ على الأغلبية ويسير معها ، فرضى بالتحكيم مرغماً ، وإذا هذه اللحظة الّتي رضى علي فيها بالتحكيم ، وموافقة الأغلبية ، كانت كلمة « لاحكم إلاّلله » تعبيراً عن موقفه وشعاراً لمبدئه بل انها تعبير وشعار لكّل مؤمن يحكّم كتاب الله فيما شجر بينه خلاف وبين