و أقول : إنّها قد تجب أحياناً ويكون فرضاً ، وتجوز أحياناً من غير وجوب ، وتكون في وقت أفضل من تركها ، ويكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذوراً ومعفوّاً عنه ، متفضّلاً عليه بترك اللوم عليها.
وأقول : إنّها جائزة في الأقوال كلّها عند الضرورة ، وربّما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح وليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين ولا فيما يُعْلَم أو يُغْلَب انّه استفساد في الدين ، وهذا مذهب يخرج عن اُصول أهل العدل واهل الامامة خاصّة دون المعتزلة والزيدية والخوارج والعامة المتسمّية بأصحاب الحديث (١).
ويكفي في جواز ذلك :
١ ـ قوله سبحانه : ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيءْ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (٢).
فقوله : ( إِلاَّ أَنْ تَتَّقُواْ ) استثناء من أهم الأحوال ، أي أنّ ترك موالاة الكافرين حتم على المؤمنين في كلّ حال ، إلاّ في حال الخوف من شيء يتّقونه منهم ، فللمؤمنين حينئذ أن يوالوهم بقدر ما يتّقى به ذلك الشيء لأنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح.
والاستثناء منقطع ، فإنّ التقرّب من الغير خوفاً ، بإظهار آثار التولّي ، ظاهراً من غير عقد القلب على الحبّ والولاية ، ليس من التولّي في شيء ، لأنّ الخوف
__________________
١ ـ الشيخ المفيد : أوئل المقالات ٩٦ ـ ٩٧. قوله « والعامة المتسمّية بأصحاب الحديث » يعرب عن أنّ غير المعتزلة من أهل السنّة كانوا معروفين في عصر الشيخ (٣٢٦ ـ ٤١٣) بأصحاب الحديث ، وأمّا تسمية طائفة منهم بالأشاعرة فإنّما حدث بعد ذلك العصر.
٢ ـ آل عمران : ٢٨.