ورضي بحكم القرآن ، فقال الأشتر : إن كان أميرالمؤمنين قد قبل ورضى ، فقد رضيت بما رضي به أميرالمؤمنين.
فأقبل الناس يقولون : قد رضي أمير المؤمنين ، قد قبل أميرالمؤمنين ، وهو ساكت لا يبضُّ بكلمة ، مطرق إلى الأرض (١).
ثم قام فسكت الناس كلّهم فقال : « أيّها الناس إنّ أمري لم يزل معكم على ما أحبُّ إلى أن أخذت منكم الحرب ، وقد والله أخذت منكم وتركت ، وأخذت من عدوّكم فلم تترك ، إلاّ انّي قد كنت أمس أمير المؤمنين فصرت مأموراً ، وكنت ناهياً فأصبحت منهيّاً ، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون » (٢).
قال نصر بن مزاحم : ثمّ تكلّم رؤساء القبائل فكل قال مايراه ويهواه ، فقام كردوس بن هاني البكري يدعوا الناس إلى تسليم الأمر إلى عليّ ، كما قام شقيق بن ثور البكري يدعوا الناس إلى الصلح والموادعة ويقول : وقد أكلتنا هذه الحرب ولا نرى البقاء إلاّ في الموادعة (٣).
هذه الحوادث المؤلمة التي أسفرت عن مؤامرة خبيثة يراد منها ايقاع الفتنة والخلاف في جيش علي عليهالسلام إلى النزول إلى حكم القوم كرهاً بلا اختيار ، واضطراراً لا عن طيب نفس.
فبعث علي قرّاء أهل العراق ، وبعث معاوية قرّاء أهل الشام ، فاجتمعوا بين الصفّين فنظروا فيه وتدراسوه واجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ، وأن يميتوا ما أمات القرآن ، ثم رجع كل فريق إلى أصحابه ، وقال الناس : « قد رضينا
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٦٠ ـ ٥٦٤.
٢ ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ٢ / ٢١٩ ـ ٢٢٠. نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٥٣.
٣ ـ نصربن مزاحم : وقعة صفيّن ٥٥٤.