الوجه عند البحث عن الاباضيّة.
وأمَا الوجه الثاني : أعني كون هذا تحكيماً للرجال في دين الله : وهو خطأ. إنّ الإمام وأصحابه لم يحكّموا الرجال في دين الله بل حكّموا القرآن والذكر الحكيم فيما اختلفوا فيه ولكن القرآن شجرة يانعة وحجة صامتة لا تجتني ثمرته ولا يعلم مقاصده إلاّ بمن ينطقه وإلى ذلك يشير الإمام في بعض خطبه :
« إنّا لم نحكّم الرجال وإنّما حكّمنا القرآن ، هذا القرآن انّما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولابدّ له من ترجمان ، وانّما ينطق عنه الرجال ، ولمّا دعانا القوم إلى أن نحكّم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب الله سبحانه وتعالى ، وقد قال الله سبحانه : ( فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شيء فَرِدُّهُ إلى اللهِ والرسول ) فردّه إلى الله أن نحكم بكتابه ، وردّه إلى الرسول أن نأخذ بسنّته ، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق النّاس وأولاهم بها » (١).
وفي كلام آخر له :
« فانّه حكم الحكمان ليُحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات القرآن ، وإحياؤه الاجتماع عليه ، وإماتته الافتراق عنه ، فإن جرّنا القرآن إليهم ، اتبعناهم ، وإن جرّهم إلينا اتبعونا ، فلم آت ـ لا أباً لكم ـ بُجراً ولا خَتلْتكم عن أمركم ، ولا لبّستُه عليكم ، انّما اجتمع رأي مَلَئكم على اختيار رجلين أخذنا عليهما ألاّ يتعدَّيا القرآن (٢).
وقد جاء في نفس الميثاق الذي أملاه على التصريح بأنّ الحكم هوالقرآن ، وانّ دور الحكمين هو انطاق القرآن في محلّ النزاع وقد جاء في
__________________
١ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٥.
٢ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٧.