يقتلوا أو يدخلوا في حكم الإمام المفترض طاعته ، وكان الواجب على الإمام محاربتهم حتى تتحقّق احدى الغايتين ولكن التكليف بالمحاربة ، مرهون بالقدرة وعدم المانع من تحقيق التكليف ، والقوم سلبوا القدرة عن الإمام القائد ، حيث جاءوا إليه في عشرين ألفاً مقنّعين في الحديد ، شاكي سيوفهم على عواتقهم يدعونه باسمه ويقولون : أجب إلى كتاب الله إذ دعيت إليه ، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفان ، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم.
أفي هذا الموقف الحرج يتصوّر أن تكون المحاربة تكليفاً شرعيّاً على الإمام أو يكون الحكم مرفوعاً بارتفاع قدرته على مواصلة الحرب ، إذ كانت نتيجة مواصلة الحرب هو قتل الإمام أوتسليمه إلى العدّو مكفوف اليدين ، ولكان الذل والوهن عندئذ أكبر وأفدح.
نعم ، رجعت القدرة إلى الإمام بعد ندامتهم على التحكيم واستعدادهم لمواصلة الحرب بعد الصلح وأخذ المواثيق ، ولكن كانت الندامة في غير محلّها وندموا ولم ينفعهم الندم حيث ضاعت الفرصة الذهبية ، إذ كما أنّ من حكمه سبحانه مواصلة حرب الطغاة وقد نطق بها الذكر الحكيم ، كذلك الايفاء بالمواثيق ، واحترام العقود والعهود من أحكام القرآن والسنّة المطهرّة. ولأجل ذلك أجاب علي عن اصرارهم على مواصلة الحرب بقوله : « ويحكم ، أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع؟ أوليس الله تعالى قال : ( اُوفُوا بالعقودِ ) وقال : ( واوفُوا بِعَهْدِ اللهِ اِذا عاهَدْتُمْ ولا تَنْقُضُوا الأيمانَ بَعْدَ تَوْكيدَها وقدْجَعَلْتُمْ الله عَلَيْكُمْ كفيلا انّ الله يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونْ ) (١).
ولكن القوم كانوا بعيدين عن المنطق ، قريبي القعر ، سمعوا أدلّة الإمام ولم يجيبوا عنها بشيء إلاّ بتضليله والبراءة منه.وسوف نرجع إلى تحليل هذا
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٨٩.