« الحمدلله وان أتى الدهر بالخطب الفادح ، والحدث الجليل ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ، ليس معه إله غيره ، وانّ محمّداً عبده ورسوله ، صلّى الله عليه ».
أمّا بعد : فإنّ معصية الناصح ، الشفيق العالم ، المجرَّب ، تورث الحسرةَ ، وتَعْقِبْ الندامة ، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ، ونخلت لكم مخزون رأيي ، لوكان يطاعُ لقصير أمر ، فأبيتم عليّ اباء المخالفين الجفاة ، والمنابذين العصاة ، حتّى ارتاب الناصُح بِنُصحه ، وضنَّ الزنْدُ بقَدْحِه ، فكنت أنا واياكم كما قال أخو هوازن :
أمرتكم أمري بمنعَرَج اللّوى |
|
فلم تستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد (١) |
صدق الإمام ، انّ من الخطب الفادح ، والحدث الجليل ، خلع صدّيق الاُمّة واوّل من آمن برسالة النبي الأكرم وصدّق به وبات في فراشه ، دفعاً لريب المنون ، وجاهد في سبيل الله بنفسه ونفيسه وشهد المعارك كلها إلاّ تبوك ، (و كان ذلك بأمر النبي) ، الى غير ذلك من فضائل ومناقب ومآثر جمّة اعترف بها الصديق والعدّو والقريب والنائي.
إنّه من المصائب العظام نصب معاوية بن أبي سفيان الطليق بن الطليق ، ابن آكلة الأكباد ، للخلافة والزعامة الإسلامية ، وانّى هو من الإسلام ، وهو ثمرة الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن ، أو ليس هذا من أدهى الدواهي؟ ولإجل ذلك نرى انّ الإمام يصف تلك الحادثة المريرة ، بالخطب الفادح والحديث الجليل.
هذا ما يرجع الى نفس الخلع والنصب وأمّا ما كان يرجع الى الحكمين فكان عليهما قبل ادلاء الرأي في حقّ عليّ ومعاوية ، دراسة الأسباب التي أدّت
__________________
١ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٣٥.