والطالب بدمه واحقّ الناس بمقامه ، فقال أبو موسى : مالك لا وفّقك الله غدرتَ وفجرت (١) إنّما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، قال عمرو : إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً ، وحمل شريح بن هاني على عمرو فقنعه بالسوط وحمل على شريح ابن لعمرو فضربه بالسوط ، وقام الناس فحجزوا بينهم ، وكان شريح بعد ذلك يقول : ما ندمت على شيء ندامتي على ضرب عمرو بالسوط ألا أكون ضربته بالسيف آتياً به الدهر ماأتى ، والتمس أهل الشام أباموسى فركب راحلته ولحق بمكّة ، قال ابن عباس : قبّح الله رأي أبي موسى حذّرته وامرته بالرأي فما عقل ، فكان أبوموسى يقول : حذِّرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكنّي إطمأننت اليه وظننت أنّه لن يؤثِرَ شيئاً على نصيحة الاُمّة ، ثم انصرف عمرو وأهل الشام الى معاوية وسلّموا عليه بالخلافة ، ورجع ابن عباس وشريح بن هاني الى علي عليهالسلام وكان إذا صلّى الغداة يَقْنُتُ فيقول : الّلهمّ إلعن معاوية وعمراً واباالأعور السلمي وحبيباً وعبدالرحمن بن خالد والضحاكَ بن قيس والوليد ، فبلغ ذلك معاوية فكان اذا قنتَ لعن علياً وابن عباس والأشتر وحسناً وحسيناً.
وزعم الواقدي انّ اجتماع الحكمين كان في شعبان سنة ٣٨ من الهجرة (٢). لمّا بلغ علياً ماجرى بين الحكمين من الحكم على خلاف كتاب الله وسنّة رسوله وغدر عمروبن العاص وانخداع أبي موسى قام خطيباً ، رافضاً ما حكم به الحكمان الجائران ، وقال :
__________________
١ ـ هذا من الصحابة العدول عند القوم ، فاقض ما أنت قاض فهذا الصحابي يصف زميله بالفجور والغدر ، والجمهور يصفون الجميع بالتقى والعدل.
٢ ـ الطبري : ٤ / ٥١ ـ ٥٢ ـ وما نقله عن الواقدي غير صحيح لما عرفت سابقاً : انّه كان اللازم على الحكمين الإدلاء برأيهما قبل انقضاء موسم الحج وقد اتفق الطرفان في صفر عام ٣٧. فكيف يكون الاجتماع عام ٣٨؟.