(الثالث) الجمع بين المجرورات ؛ وبذلك يجاب عن سؤال في قوله تعالى : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) ؛ (الإسراء : ٦٩) فإنه قد توالت المجرورات بالأحرف الثلاثة ، وهي اللام في (لَكُمْ) والباء في (بِهِ) و «على» في (عَلَيْنا) وكان الأحسن الفصل.
وجوابه أنّ تأخر (تَبِيعاً) وترك الفصل أرجح من أن يفصل به بين (١) بعض الروابط ، وكذلك الآيات التي تتصل (٢) بقوله : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) (الإسراء : ٦٩) ، فإن فواصلها كلها منصوبة منوّنة ، فلم يكن بدّ من تأخير قوله : (تَبِيعاً) لتكون نهاية هذه الآية مناسبة لنهايات ما قبلها حتى تتناسق على صورة واحدة.
(الرابع) تأخير ما أصله أن يقدّم (٣) ، كقوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (طه : ٦٧) ، لأن أصله (٤) أن يتصل الفعل بفاعله ويؤخّر المفعول ، لكن أخّر الفاعل ، وهو (مُوسى) لأجل رعاية الفاصلة.
قلت : للتأخير حكمة أخرى ، وهي أن النفس تتشوق لفاعل (أوجس) (٥) ، فإذا جاء بعد أن أخّر وقع بموقع.
وكقوله تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) (طه : ١٢٩) [فإن قوله : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى)] (٦) معطوف على (كَلِمَةٌ) ولهذا رفع. والمعنى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) في التأخير (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) لكان العذاب لزاما. لكنّه قدم وأخّر لتشتبك رءوس الآي ؛ قاله ابن عطية (٧).
وجوز الزمخشري (٨) [١٠ / أ] عطفه على الضمير في (لَكانَ) أي لكان الأجل العاجل وأجل مسمى لازمين له كما كانا لازمين لعاد وثمود ، ولم ينفرد الأجل المسمّى دون الأجل العاجل.
ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) (القمر : ٤١) ، فأخّر الفاعل لأجل الفاصلة.
__________________
(١) في المخطوطة : (من).
(٢) العبارة في المخطوطة : (الآيات التي لا تنفصل).
(٣) في المخطوطة : (يتقدّم).
(٤) العبارة في المطبوعة : (لأن أصل الكلام).
(٥) العبارة في المخطوطة : (لفاعل أو خبر).
(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.
(٧) هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن ، تقدمت ترجمته ص : ١٠١.
(٨) هو محمود بن عمر بن محمد ، أبو القاسم الزمخشري ، تقدمت ترجمته ص : ١٠٥. وانظر قوله في «الكشاف» ٢ / ٤٥١.