هاهنا معنى دقيق من أجله قال : (حَكِيمٌ) ؛ وهو أن ينبّه على فائدة مشروعية اللعان ، وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة ؛ وذلك من عظيم (١) الحكم ، فلهذا كان (حَكِيمٌ) ، بليغا في هذا المقام دون «رحيم» (٢).
ومن خفيّ هذا الضرب قوله تعالى في سورة البقرة : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الآية : ٢٩).
وقوله في آل عمران : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما) [١٤ / أ](فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الآية : ٢٩) ، فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة ، وفي آية آل عمران الختم بالعلم ، لكن إذا أنعم النظر علم أنّه يجب أن يكون ما عليه التلاوة في الآيتين ، وكذلك قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) (الأنعام : ١٤٧) ؛ مع أن ظاهر الخطاب «ذو عقوبة شديدة» ، وإنما قال ذلك نفيا للاغترار بسعة رحمة الله تعالى في الاجتراء (٣) على معصيته ؛ وذلك أبلغ في التهديد ؛ ومعناه : لا تغترّوا بسعة رحمة الله تعالى في الاجتراء (٣) على معصيته ، فإنه مع ذلك لا يردّ عذابه عنكم.
وقريب منه : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) (النّبأ : ٣٧).
وأما قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : ٤٩) ؛ فمناسبة (٤) الجزاء للشرط أنه لما أقدم المؤمنون وهم ثلاثمائة وبضعة عشر ، على قتال المشركين ، وهم زهاء ألف ، متوكّلين على الله تعالى ؛ وقال المنافقون : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) (الأنفال : ٤٩) حتى أقدموا على ثلاثة أمثالهم عددا أو أكثر ؛ قال الله تعالى ردا على المنافقين وتثبيتا للمؤمنين : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : ٤٩) في جميع أفعاله.
وأما قوله [تعالى] : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ
__________________
(١) في المخطوطة : (أعظم).
(٢) العبارة في المخطوطة : (فلهذا كان حكيما بليغا في المقام رحيم).
(٣) في المخطوطة : (الاحتراز).
(٤) في المخطوطة : (فناسبه).