فآل الخلاف إلى أنه : هل ذلك بتوقيف قوليّ أم بمجرد استناد فعليّ ، وبحيث بقي لهم فيه مجال للنظر. فإن قيل : فإذا كانوا قد سمعوه منه ، كما استقرّ عليه ترتيبه [٣٧ / ب] ففي ما ذا أعملوا الأفكار (١)؟ وأيّ مجال بقي لهم بعد هذا الاعتبار؟ قيل : قد روى مسلم في «صحيحه» (٢) عن حذيفة قال : «صلّيت مع النبي صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة فافتتح سورة البقرة ، فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى فقلت : يصلّي بها في ركعة ، فمضى ، فقلت : يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران...» الحديث. فلما كان النبي صلىاللهعليهوسلم ربما فعل هذا إرادة للتوسعة على الأمة ، وتبيانا لجليل تلك النعمة كان محلا للتوقف ، حتى استقرّ النظر على رأي ما كان من فعله (٣) الأكثر. فهذا محل اجتهادهم في المسألة.
٣ ـ والقول الثالث ، مال إليه القاضي أبو محمد بن عطية (٤) : «أنّ كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلىاللهعليهوسلم كالسّبع الطّوال والحواميم والمفصّل ، وأشاروا إلى أن ما سوى ذلك يمكن أن يكون فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده».
وقال أبو جعفر بن الزبير (٥) : الآثار تشهد بأكثر مما نصّ عليه ابن عطية ، ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف ، كقوله : «اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران». رواه مسلم (٦).
ولحديث معبد (٧) بن خالد : «صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسّبع الطوال في ركعة» (٨) رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» وفيه «أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصّل في ركعة» (٩).
__________________
(١) تصحّفت في المخطوطة إلى : (الأذكار).
(٢) صحيح مسلم ١ / ٥٣٦ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل (٢٧) ، الحديث (٢٠٣ / ٧٧٢).
(٣) في المخطوطة : (فعل).
(٤) عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن المعروف بابن عطية تقدم ذكره ص ١٠١ ، وانظر قوله في مقدمة المحرر الوجيز ١ / ٦٦ ، بتصرف.
(٥) أحمد بن إبراهيم الغرناطي ، صاحب كتاب «البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن» تقدمت ترجمته ص ١٣٠.
(٦) في الصحيح ١ / ٥٥٣ ، عن أبي أمامة الباهلي رضياللهعنه كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (٤٢) ، الحديث (٢٥٢ / ٨٠٤).
(٧) تصحّف الاسم في المطبوعة واضطرب في المخطوطة إلى «سعيد بن خالد» والتصويب ما أثبتناه من الدر المنثور للسيوطي ١ / ١٨.
(٨) ذكره السيوطي في الدرّ المنثور ١ / ١٨.
(٩) أخرجه من حديث عائشة رضياللهعنها : أحمد في المسند ٦ / ٢٠٤ ، وأبو داود في السنن ١ / ٥٨٦ كتاب الصلاة (٢) ، باب في صلاة القاعد (١٧٩) الحديث (٩٥٦).