وغير ذلك. وأملأ (١) الناس بهذا صاحب «الكشاف». قال السكاكي (٢) : «واعلم أنّ شأن الإعجاز عجيب ، يدرك ولا يمكن وصفه ؛ كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها ، وكالملاحة ، ولا طريق إلى تحصيله لذوي الفطرة (٣) السليمة إلا إتقان [٤٦ / ب] علمي المعاني والبيان والتمرّن فيهما».
وقال الزمخشريّ : «من حقّ مفسّر كتاب الله الباهر ، وكلامه المعجز أن يتعاهد في مذاهبه بقاء النظم على حسنه ، والبلاغة على كمالها ، وما وقع به التحدّي سليما من القادح ، وإذا لم يتعاهد أوضاع اللغة فهو من تعاهد النظم والبلاغة على مراحل».
وادعى القاضي أبو الطيب (٤) في كتاب «إعجاز القرآن» أن كثيرا من محاسن هذا العلم لا يعدّ من البلاغة القرآنية ؛ بناء على اختياره في أن القرآن نزل على خلاف أساليبهم ، وسيأتي الكلام في ذلك.
(فإن قلت) : كيف عددت هذا من أنواع علومه ؛ مع أن سلف المفسرين من الصحابة والتابعين [رحمهمالله] (٥) لم يخوضوا فيه ولم ينقل عنهم شيء من ذلك ، وإنما هذا أحدثه المتأخرون؟
(قلت) : إنما سكت الأولون عنه لأن القصد من إنزال القرآن تعليم الحلال والحرام ، وتعريف شرائع الإسلام وقواعد الإيمان ، ولم يقصد منه تعليم طرق الفصاحة ؛ وإنما جاءت لتكون معجزة ، وما قصد به الإعجاز (٦) لا سبيل إلى معرفة طريقه ، فلم يكن الخوض فيه مسوغا ؛ إذ البلاغة ليست مقصودة فيه أصلا ؛ لأنه موجود في الصحف الأولى ؛ لا مع هذه البلاغة المعينة ؛ وإنما كان بليغا بحسب كمال المتكلم ؛ فلهذا لم يتكلم السّلف في ذلك ، وكان معرفتهم بأساليب البلاغة مما لا يحتاج فيه إلى بيان ، بخلاف استنباط الأحكام ، فلهذا تكلموا في الثاني دون الأول.
واعلم أن معرفة هذه الصناعة بأوضاعها هي عمدة التفسير ، المطلع على عجائب كلام
__________________
(١) في المخطوطة : (وأملى).
(٢) هو يوسف بن أبي بكر تقدم ذكره في ١ / ١٦٣ ، وانظر قوله في مفتاح العلوم : ١٦٢ و ٢٤٨ (طبعة نعيم زرزور).
(٣) في المخطوطة : (الفطر).
(٤) كذا في الأصل ، هو محمد بن الطيّب ، أبو بكر الباقلاني تقدم ذكره في ١ / ٢٣ ، ومرّ ذكر كتابه في ١ / ٤٩.
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) في المخطوطة : (الإيجاز).