الله ، وهي قاعدة الفصاحة وواسطة عقد البلاغة ، ولو لم يحبّب الفصاحة إلا قول الله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (الرحمن : ١ و ٤) ، [لكفى] (١) ، والمعلومات كثيرة ، ومنن الله تعالى جمّة ، ولم يخصّص الله من نعمه على العبد إلا تعليم البيان ، (٢) [وقال تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) (آل عمران : ١٣٨) ، وقال تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل : ٨٩).
ولحذف الواو في قوله تعالى : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (الرحمن : ٤) نكتة علمية ، فإنه جعل تعليم البيان] (٢) في وزان خلقه ، وكالبدل من قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ٣) لأنه حيّ ناطق ؛ وكأنّه إلى نحوه أشار أهل المنطق بقولهم في حدّ الإنسان : حيوان ناطق.
ولا شكّ أنّ هذه الصناعة تفيد قوة الإفهام على ما يريد الإنسان ويراد منه ، ليتمكّن بها من اتباع التصديق به ، وإذعان النفس له.
وينبغي الاعتناء بما يمكن إحصاؤه من المعاني التي تكلّم فيها البليغ مثبتا ونافيا.
فمنها تحقيق العقائد الإلهيّة ، كقوله سبحانه : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (القيامة : ٤٠) بعد ذكره النطفة ومتعلّقها في مراتب الوجود. وكقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر : ٦٧) فمن يقرع سمعه هذا الكلام المعجز استشعر من روعة النفس ، واقشعرار الجلد ما يمكّن خشية الله وعظمته من قلبه.
ومنها بيان الحق فيما يشكل من الأمور غير العقائد ؛ كقوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (الأنفال : ٦١) ، وكقوله صلىاللهعليهوسلم : «فمن أين يكون الشّبه (٣)»؟ فانظر كيف أعطى في هذه الأحرف اليسيرة الحجة على من أنكر احتلام المرأة فلا أبين من هذا
__________________
(١) زيادة من المطبوعة.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٣) من حديث لأم سليم ، رضياللهعنها متفق عليه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ كتاب العلم (٣) ، باب الحياء في العلم (٥٠) ، الحديث (١٣٠) ، ومسلم في الصحيح ١ / ٢٥١ ، كتاب الحيض (٣) ، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (٧) ، الحديث (٣٢ / ٣١٣) ، وأم سليم هي بنت ملحان والدة أنس بن مالك رضياللهعنه.