البيان ، ولا أشفى للمرتاب من هذا القول! فإنه يرى إحدى المقدّمتين عيانا ، وهو شبه الولد بأمّه ، ويعلم قطعا أنه ليس هناك سبب يحال الشبه عليه غير الذي أنكر (١).
ومنها تمكين الانفعالات النفسانية من النفوس مثل الاستعطاف والإعراض ، والإرضاء والإغضاب ، والتشجيع والتخويف. ويكون في مدح وذم ، وشكاية واعتذار ، وإذن ومنع (٢) ، وينضمّ إلى قوة القول البلاغيّ معنى متصل إعانة لها ؛ مثل فضيلة القائل وحمية النازع ، وقوة البليغ على إطراء نفسه ، وتحسين رأيه.
ومن ذلك استدعاء المخاطب إلى فضل تأمّل ، وزيادة تفهم ؛ قال تعالى : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (٣) [ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ] (٣) (سبأ : ٤٦) ، وكذلك قوله : (وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ) (العنكبوت : ٤٣) ؛ وسرّ (٤) هذا أن السامع يحرص على أن يكون من هؤلاء المثنى عليهم ، فيسارع إلى التصديق ، ويلقى في نفسه نور من [٤٧ / أ] التوفيق.
ويكون هذا القول البلاغيّ ما يسمى الضمير ، ويسمى التمثيل ؛ وأعني بالضمير أن يضمر بالقول المجادل به البيان أحد حرفيه ؛ كقول الفقيه : النبيذ مسكر ، فهو حرام ، وكقوله تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (الإسراء : ٢٧).
وقد يكون هذا الإضمار في القياس الاستثنائي أيضا ؛ كقولك : لو كان فلان (٥) [عزيزا لمنع] (٥) بأعنّة الخيل جاره ، أو جوادا لشبّ لساري الليل ناره ، معولا على أنه قد علم أنه ما منع ولا شبّ ، فيثبت بذلك مقابله وهو البخل والذلّة ، ومن هذا قوله تعالى : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران : ١٥٩) ، وقد شهد الحسّ والعيان أنهم ما انفضّوا من حوله وهي المضمرة ، فانتفي عنه صلوات الله عليه أنه فظّ غليظ القلب.
ومن أحسن ما أبرز فيه هذا المضمر قول الشاعر :
__________________
(١) في المخطوطة (أمكن).
(٢) تصحّفت في المخطوطة إلى (سمع).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(٤) تصحّفت في المخطوطة إلى : (ومن).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.