بيضاء ، والمرجوّ الإغضاء ، بل الإرضاء. بنيّ ، كيف رأيت للبيان هذا الطّوع ، والخروج فيه من نوع إلى نوع؟ أين صفوان بن إدريس ، ومحلّ دعواه بين رحلة وتعريس (١)؟ كم بين ثغاء بقر (٢) هذا الفلا ، وبين زئير ليث العريس؟ كما أني أقطع (٣) علما ، وأعلم قطعا ، وأحكم مضاء وأمضى حكما ، أنه لو نظر إلى قصيدتك الرّائقة ، وفريدتك الحالية الفائقة ، المعارضة بها قصيدته ، المنتسخة بها فريدته ، لذهب عرضا وطولا ، ثم اعتقد لك اليد الطّولى ، وأقرّ بارتفاع (٤) النّزاع ، وذهبت له تلك العلالات (٥) والأطماع ، ونسي كلمته اللّؤلؤية ، ورجع عن دعواه الأدبيّة ، واستغفر الله ربّه من تلك الإلهية (٦). بنيّ ، وهذا من ذلك ، من الجري في تلك المسالك ، والتّبسّط في تلك المآخذ والمتارك ، أينزع غيري هذا المنزع؟ أم المرء بشعره (٧) وابنه مولع؟ حيّا الله الأدب وبنيه ، وأعاد علينا من أيّامه وسنيه! ما أعلى منازعه ، وأكبا منازعه ، وأجلّ مآخذه ، وأجهل تاركه وأعلم آخذه ، وأرقّ طباعه ، وأحقّ أشياعه وأتباعه ، وأبعد طريقه ، وأسعد فريقه ، وأقوم نهجه ، وأوثق نسجه ، وأسمح ألفاظه ، وأفصح عكاظه ، وأصدق معانيه وألفاظه ، وأحمد نظامه ونثاره ، وأغنى شعاره ودثاره ، فعائبه مطرود ، وعاتبه مصفود ، وجاهله محصود ، وعالمه محسود ، غير أن الإحسان فيه قليل ، ولطريق الإصابة فيه علم ودليل ، من ظفر بهما وصل ، وعلى الغاية القصوى منهما (٨) حصل ، ومن نكب عن الطريق ، لم يعدّ من ذلك الفريق ، فليهنك أيها الابن الذّكيّ ، البرّ الزّكيّ ، الحبيب الحفيّ (٩) ، الصّفيّ الوفيّ ، أنك حامل رايته ، وواصل غايته ، ليس أوّلوه وآخروه لذلك بمنكرين ، ولا تجد أكثرهم شاكرين. ولو لا أن يطول الكتاب ، وينحرف الشّعراء والكتّاب ، لفاضت ينابيع هذا الفصل (١٠) فيضا ، وخرجت إلى نوع آخر من البلاغة أيضا ، قرّت عيون أودّائك (١١) ، وملئت غيظا صدور أعدائك ، ورقيت درج الآمال ، ووقيت عين الكمال ، وحفظ منصبك العالي ، بفضل ربّك الكبير المتعالي. والسلام
__________________
ـ وترجمة نصيب في الأغاني (ج ١ ص ٣١٢) والشعر والشعراء (ص ٣٢٢).
(١) التعريس : النزول ليلا للراحة. لسان العرب (عرس).
(٢) في النفح : «بقر الفلاة وبين ليث الفريس».
(٣) في النفح : «أعلم قطعا ، وأقطع علما».
(٤) في النفح : «فارتفع».
(٥) في النفح : «العلاقات».
(٦) في النفح : «الأليّة».
(٧) في النفح : «بنفسه».
(٨) في النفح : «منه».
(٩) الحفيّ : الذي يبالغ في السؤال عن الشيء. لسان العرب (حفي).
(١٠) في النفح : «الفضل».
(١١) الأودّاء : جمع ودود وهو المحبّ. لسان العرب (ودد).