بضاعة (١) البلاغة ، فلم يعبأ بهمّام وابن المراغة (٢). شفاء المحزون ، وعلم السّرّ (٣) المخزون ، ما بين منثوره والموزون. والآن لا ملهج ولا مبهج ، ولا مرشد ولا منهج ، عكست القضايا فلم تنتج ، فتبلّد القلب الذّكي ، ولم يرشح القليب البكي (٤) ، وعمّ الإفحام ، وغمّ الإحجام ، وتمكّن الإكداء والإجبال ، وكوّرت الشّمس وسيّرت الجبال ، وعلت سآمة ، وغلبت ندامة ، وارتفعت ملامة ، وقامت لنوعي الأدب قيامة. حتى إذا ورد ذلك المهرق ، وفرّع غصنه المورق ، تغنّى (٥) به الحمام الأورق ، وأحاط بعداد عداته الغصص والشّرق ، وأمن من الغصب والسّرق ، وأقبل الأمن وذهب بإقباله الفرق ، نفخ في صور أهل المنظوم والمنثور ، وبعثر ما في القبور ، وحصّل ما في الصدور ، وتراءت للأدب صور ، وعمرت للبلاغة كور ، وهمت لليراعة درر ، ونظمت للبراعة درر ، وعندها يتبيّن (٦) أنك واحد حلبة البيان ، والسّابق في ذلك الميدان ، يوم الرّهان ، فكان لك القدم ، وأقرّ لك مع التأخر السّابق الأقدم ، فوحقّ نصاعة ألفاظ أجدتها ، حين أوردتها ، وأسلتها حين أرسلتها ، وأزنتها حين وزنتها ، وبراعة معان سلكتها حين ملكتها ، وأرويتها حين روّأتها (٧) وأرويتها ، وأصلتها حين فصّلتها ووصلتها (٨) ، ونظام جعلته لجسد (٩) البيان قلبا ، ولمعصمه قلبا (١٠) ، وهصرت حدائقه غلبا ، وارتكبت رويّه (١١) صعبا ، ونثار (١٢) أتبعته له خديما ، وصيّرته لمدير كأسه نديما ، ولحفظ (١٣) ذمامه المداميّ أو مدامه الذّماميّ مديما ، لقد فتنتني حين أتتني ، وسبتني حين نصبتني (١٤) ، فذهبت خفّتها بوقاري ، ولم يرعها بعد شيب عذاري ، بل دعت للتّصابي فقلت مرحبا ، وحللت لفتنتها الحبا ، ولم أحفل بشيب ، وألفيت ما ردّ نصابي نصيب (١٥) ، وإن كنّا فرسي رهان ، وسابقي حلبة ميدان ، غير أنّ الجلدة
__________________
(١) في النفح : «نصاعة».
(٢) همّام : هو الفرزدق. وابن المراغة : هو جرير بن عطية.
(٣) في النفح : «سرّ».
(٤) في النفح : «ولم يرشح القلم الذكي».
(٥) في النفح : «وتغنّى».
(٦) في النفح : «تبين».
(٧) في النفح : «رويتها أو روّيتها».
(٨) في النفح : «أو وصلتها».
(٩) في النفح : «بجسد».
(١٠) في الأصل : «والمعصمة قلما» والتصويب من النفح. والقلب : السوار. لسان العرب (قلب).
(١١) في الأصل : «روية» والتصويب من النفح. وهنا يشير إلى صعوبة القافية وإن كانت همزية ، وهي غير صعبة.
(١٢) في الأصل : «ونثارا» والتصويب من النفح.
(١٣) في النفح : «ولحفظه».
(١٤) في النفح : «اطّبتني».
(١٥) يشير هنا إلى قول نصيب [الوافر]
ولو لا أن يقال صبا نصيب |
|
لقلت بنفسي النشء الصغار ـ |